الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كانت الأرض المذكورة وقفًا -أي: أن أحدًا ما قد أوقفها- لتجعل مقبرة يدفن فيها أموات المسلمين، فإنه لا يجوز الاستيلاء عليها، واستخدامها للأغراض الخاصة من بناء ونحوه، سواء اندرست القبور التي فيها أم لا، إلا إذا كان ذلك بشرط الواقف، كما أشرنا في الفتوى رقم: 38535.
وإن كانت الأرض ليست وقفًا، ولا مملوكة لأحد، وقام الوالد بتحويشها وإحيائها، فيجوز له الانتفاع بها، واستخدامها فيما يريد.
وأما القبور -إن وجدت فيها- فلها حالان:
- الأولى: أن يكون الميت المدفون في أحدها قد بلي وصار ترابًا، ولم يبق له أيّ أثر، فيجوز استخدام أرضه في البناء والزرع وغيره عند أكثر أهل العلم.
- الثانية: أن تكون ما زالت بعض آثاره باقية، وفي هذه الحالة لا يجوز نبش قبره ولا إخراجه منه، وإن نبش ظنًّا أنه قد بلي فوجدت بعض عظامه وآثاره؛ رد عليه التراب ودفن مكانه.
يقول النووي: وأما نبش القبر: فلا يجوز لغير سبب شرعي باتفاق الأصحاب, ويجوز بالأسباب الشرعية، كنحو ما سبق. ومختصره: أنه يجوز نبش القبر إذا بلي الميت وصار ترابًا, وحينئذ يجوز دفن غيره فيه, ويجوز زرع تلك الأرض، وبناؤها، وسائر وجوه الانتفاع والتصرف فيها باتفاق الأصحاب, وإن كانت عارية رجع فيها المعير. وهذا كله إذا لم يبق للميت أثر من عظم وغيره.
قال أصحابنا -رحمهم الله-: "ويختلف ذلك باختلاف البلاد والأرض، ويعتمد فيه قول أهل الخبرة بها". اهـ.
وقال ابن حجر الهيتمي: حيث حفر قبر إما تعديًا، وإما مع ظن أنه بلي ولم يبق فيه عظم، فوجد فيه عظم؛ رد التراب عليه وجوبًا، ولا يجوز الدفن فيه قبل البلى. وفي الروضة وغيرها: يحرم نبش قبر الميت ودفن غيره فيه قبل بلائه عند أهل الخبرة بتلك الأرض. اهـ.
وفي الموسوعة الفقهية: واختلفوا في جواز الحرث والزراعة والبناء في المقبرة المندرسة, فأجازه الحنفية والحنابلة, ومنعه المالكية, ولم نعثر على نص للشافعية في ذلك. اهـ.
وقد تقدم كلام السادة الشافعية، وهو موافق للجمهور.
والله أعلم.