الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقائمون على الأعمال الخيرية إنما هم وكلاء عن المتبرعين في التصرف في أموال التبرعات، والوكيل لا يتصرف إلا في حدود ما أذن به موكله، فإذا شرط الموكل شرطاً وجب الالتزام بشرطه، وإذا لم يشترط الموكل شرطاً معيناً، جاز للوكيل التصرف بما تقتضيه مصلحة المنتفعين من الجمعية، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 284638.
وفي حال عدم اشتراط شخص أو جهة معينة لتصرف لها هذه الأموال، وإنما علقت على وصف معين، كالفقر والحاجة أو اليتم، أو المرض، ونحو ذلك، وكان الوكيل متصفا بهذا الوصف، فقد اختلف أهل العلم في جواز أخذ الوكيل ـ دون علم موكله ـ قدر حاجته منها، أسوة ببقية المستحقين دون محاباة لنفسه، والمفتى به عندنا هو الجواز، وإن كان الأولى هو التورع عن ذلك خروجا من الخلاف، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 141433، 110654، 19458.
وعلى ذلك، فما وضعه السائل في موضعه الذي يتوافق مع قصد المتبرع، فلا يجب عليه أن يضمنه ـ يرد مثله ـ سواء أخذه لنفسه أو أعطاه غيره، والعكس بالعكس، فما وضعه في غير موضعه يجب عليه ضمانه ـ رد مثله ـ سواء أخذه لنفسه أو أعطاه غيره، وكذلك كل ما سحبه من أموال الجمعية لأغراض إدارية يجب عليه رد الفائض منها إلى صندوق الجمعية، وما أنفقه على نفسه منها يجب عليه ضمانه، وأما ما أنفقه السائل قبل سنوات على الجمعية بنية التبرع، وكذلك ما قام به من أعمال شاقة لمصلحة الجمعية بنية التبرع، فلا يجوز أن يحتسب قيمتها مما يجب عليه ضمانه، كما لا يجوز أن يأخذ راتبا على عمله في الجمعية، إلا بإذن القائمين على إدارتها، وهذا كله إذا كانت التبرعات المذكورة في السؤال جاءت للسائل بصفته الشخصية، أو أذن المتبرعون له بالتصرف فيها دون إدخالها لحساب الجمعية، وأما إذا أعطي هذه التبرعات كموظف إداري في الجمعية لإدخالها في حسابها، فلا يجوز له التصرف فيها مطلقا، ويجب عليه إدخالها في حساب الجمعية، وأي تصرف منه فيها من قِبل نفسه يعد خيانة للأمانة، ويجب عليه ضمانها للجمعية برد مثلها.
وأما بالنسبة لموضوع العمرة التي كسبها السائل من الجمعية، فلا تبرأ ذمته مما عليه ضمانه من أموال الجمعية إذا تنازل عنها في مقابل ما عليه من المال، لأن العمرة مقصودة لذاتها كطاعة وقربة وشعيرة من شعائر الإسلام، فهي باب من أبواب الخير الذي يدخل في نشاط الجمعيات الخيرية، وبالتالي لا يجوز لمن تعطيه جمعية خيرية مبلغا من المال لخصوص العمرة أن يأخذه لنفسه ولا يعتمر، لأنه بذلك خالف شرط الواهب، وشرطه ـ إن كان جائزا ـ يلزم اتباعه ولا يجوز مخالفته، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 134454، 62363، 190089.
والله أعلم.