الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذه التصرفات التي ذكرتها عن أبيك -إن صحت عنه- تنبئ عن شيء من الحمق والسفه، فالزواج شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، وسماه القرآن ميثاقا غليظا، قال تعالى: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا {النساء:21}، فلا ينبغي أبدا استحقاره، والعمل على توهينه لأتفه سبب، فالطلاق يكره إن لم يكن لحاجة، بل قد يحرم كما ذكر بعض أهل العلم.
قال ابن قدامة في المغني: الطلاق على خمسة أضرب: واجب: وهو طلاق المولي بعد التربص، إذا أبى الفيئة، ومكروه: وهو الطلاق من غير حاجة إليه. وقال القاضي: فيه روايتان: إحداهما أنه محرم؛ لأنه ضرر بنفسه، وزوجته، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه، فكان حراما كإتلاف المال، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. والثانية أنه مباح.... اهـ.
ولو قدر أن أوقع والدك الطلقة الثالثة، بانت منه أمك بينونة كبرى، وقد اختلف الفقهاء في البائن هل لها النفقة، والسكنى أثناء العدة أم لا؟ وقد أوضحنا خلافهم في الفتوى رقم: 47983، وإن حصل نزاع في ذلك، فالفيصل المحكمة الشرعية.
ونفقة الصغار الذين لا مال لهم، واجبة على الوالد، حصل الفراق بين الزوجين، أو كانت الزوجية قائمة.
وإننا ننصح بمناصحة هذا الوالد، والسعي في إصلاحه، والحيلولة دون إيقاعه الطلقة الثالثة، فالطلاق له كثير من الآثار السالبة في الغالب.
ولا يجب على إخوتك إعطاء والدك كل ما يطلب منهم من مال، فأخذ الوالد من مال ولده، مقيد بقيود ذكرها الفقهاء، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 251809، والأولى بهم الصبر عليه، والعمل على مداراته، واتقاء شره.
ونؤكد على ما ذكرنا من أمر السعي في إصلاحه بمناصحته، ولا سيما في أمر السب واللعن، فإنها من الأمور الخطيرة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 6540. ولتكن النصيحة بالحسنى، والأولى أن تكون ممن له مكانة عنده، ويرجى أن يؤثر عليه.
وننبه إلى أنه مهما أساء الوالد، وجفا، وجار، وظلم، فإن بره، والإحسان إليه باق، لا تسقطه إساءته، وراجع فتوانا رقم: 299887.
نسأل الله له الهداية إلى الصراط المستقيم، وأن يلهمه رشده.
والله أعلم.