الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن المراد بكلام ابن مفلح، هو منع مس المصحف بالعضو النجس، وجواز مسه بغيره من الأعضاء الطاهرة؛ لأن نجاسة أحد الأعضاء، لا تؤثر على الأعضاء الأخرى، بخلاف المحدث، فلا يجوز مسه له بأي عضو، حتى تكمل الطهارة.
قال المرداوي في الإنصاف: لو رفع الحدث عن عضو من أعضاء الوضوء, ثم مس به المصحف: لم يجز، على الصحيح من المذهب. ولو قلنا: يرتفع الحدث عنه. وقيل: لا يحرم، إذا قلنا يرتفع عنه.
واعلم أن في رفع الحدث عن العضو قبل إتمام الوضوء، وجهان. وأطلقهما في الفروع. قلت: الذي يظهر أن يكون ذلك مراعى. فإن كمله، ارتفع، وإلا، فلا.
قال المصنف في المغني, والشارح: لأنه لا يكون متطهرا إلا بعمل الجميع. قال الزركشي: لأن الماء غير طاهر على المذهب. وقال في الرعاية: ولو رفع الحدث عن عضو، لم يمسه به قبل إكمال الطهارة في الأصح, قال ابن تميم: ولو رفع الحدث عن عضو لم يمس به المصحف, حتى يكمل طهارته.
ويحرم مس المصحف بعضو نجس, على الصحيح من المذهب. وقيل: لا يحرم. قلت: هذا خطأ قطعا. ومنها: لا يحرم مسه بعضو طاهر, إذا كان على غيره نجاسة، على الصحيح من المذهب. وقيل: يحرم. قال في الفروع, عن هاتين المسألتين: قاله بعضهم. قلت: صرح ابن تميم بالثانية, والزركشي بالأولى. وذكر المسألتين في الرعاية. اهـ.
وأما مسه بعضو فيه قذر، فلا يجوز. وإن أصاب اليد، أو غيرها قذر، ثم نظفتها منه بالمسح، فلا حرج في مس المصحف بها، ولكن الأولى غسلها.
فقد سئل عليش المالكي فقيل له: ( ما قولكم ) في مس المصحف، أو اللوح فيه قرآن بيد سال عليها بصاق، أو مخاط، وأزيلت عينه عنها بمسحها بثوب ونحوه، قبل غسلها منه، وعلى منعه. فهل هو ردة؟
فأجاب: الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله.
هذا جائز؛ إذ لا قذر في العضو، ولا حكم نجاسة، ولكن الأولى غسلها, والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. اهـ.
والله أعلم.