الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فالقول المذكور في السؤال إن كان صاحبه يعني به أن الناس في العصور المتأخرة ليسوا بحاجة إلى الرسالة والنبوة أصلا ـ ولا يعني أنهم لا يتعين بقاء الرسول بينهم ليكونوا مهتدين ـ لأنهم أذكياء ويستطيعون بذكائهم وعقولهم الاستقلال في معرفة الهدى، فهذا القول ليس له حظ من الصواب، لأن الناس بحاجة إلى الرسالة إلى قيام الساعة، بل لعل حاجة الناس في العصور المتأخرة إلى الرسالة أشد من حاجة المتقدمين الذين عاشوا حياةً أقلَّ تعقيدا، وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 295546، الحكمة في تأخير رسالة الإسلام وجعلها آخر الرسالات السماوية، وفيها ذكرنا أن من الحكمة في جعلها آخر الرسالات هو أن الأمم على عهد الرسل الأولين كانت تعيش في عزلة لا تقارب بينهما ولا اتصال إلا على الوسائل البدائية، لكن الوضع تغير كثيرا بعد رسالة محمد عليه السلام، فأصبحت المسافات مطويةً والاتصالُ الأممي أكثر ـ لا سيما في العهود المتأخرة ـ مما جعل حمل الرسالة إلى جميع من في الأرض متاحا، فاقتضت حكمة الله تعالى ختم الرسالات.
وإن كان صاحب تلك المقولة يعني أن قيام الدينِ والحجةِ على الناس ليس مرهونا ببقاء شخص الرسول الكريم بذاته وليسوا بحاجة لتجدد إرسال الرسل ما دامت الرسالة الأخيرة محفوظة، وأن الحجةَ قائمةٌ ببقاء دينه وبقاءِ الوحي المنزل عليه، فهذا حق، فموت النبي صلى الله عليه وسلم أعظم مصيبة أصيبت بها الأمة، ولكنَّ دينَه باق والوحيَ ـ كتابا وسنة ـ محفوظٌ، والحجةَ قائمةٌ، فليس بقاء الرسالة مرهونا ببقاء شخص الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وقد قال الله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ {آل عمران:144}
قال الشيخ السعدي في تفسيره: يقول تعالى: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ـ أي: ليس ببدع من الرسل، بل هو من جنس الرسل الذين قبله، وظيفتهم تبليغ رسالات ربهم وتنفيذ أوامره، ليسوا بمخلدين، وليس بقاؤهم شرطا في امتثال أوامر الله، بل الواجب على الأمم عبادة ربهم في كل وقت وبكل حال، ولهذا قال: أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ـ بترك ما جاءكم من إيمان أو جهاد، أو غير ذلك. اهــ.
والله أعلم.