الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نص الفقهاء على أن موت أحد الشريكين يعتبر من أسباب انتهاء الشركة، جاء في الهداية للمرغيناني من كتب الحنفية: وإذا مات أحد الشريكين بطلت الشركة. اهـ
وجاء في مجلة الأحكام العدلية: إذا توفي أحد الشريكين أو جن جنوناً مطبقاً تنفسخ الشركة، أما في صورة كون الشركاء ثلاثة أو أكثر، فيكون انفساخ الشركة في حق الميت أو المجنون فقط، وتبقى الشركة في حق الآخرين. اهـ
وفي المدونة من كتب المالكية: قلت: أرأيت إذا مات أحد الشريكين؟ قال: إذا مات أحدهما، لم يكن للباقي منهما أن يحدث في المال الباقي، ولا في السلع قليلا ولا كثيرا، إلا برضا الورثة، لأن الشركة حين مات أحدهما انقطعت فيما بينهما، وصار نصيب الميت للورثة، وهذا رأيي. اهـ
لكن كون الموت من أسباب انتهاء الشركة لا يمنع من استمرار الشركة بعد وفاة أحد الشركاء، ويحل الورثة محل الشريك الميت إن اتفقوا، جاء في المغني لابن قدامة المقدسي: فإن مات أحد الشريكين وله وارث رشيد فله أن يقيم على الشركة، ويأذن له الشريك في التصرف، وله المطالبة بالقسمة، فإن كان مولياً عليه قام وليه مقامه في ذلك إلا أنه لا يفعل إلا ما فيه المصلحة للمولي عليه، فإن كان الميت قد وصى بمال الشركة أو ببعضه لمعين، فالموصى له كالوارث فيما ذكرنا، وإن وصى به لغير معين كالفقراء لم يجز للوصي الإذن في التصرف، لأنه قد وجب دفع إليهم فيعزل نصيبهم ويفرقه بينهم، وإن كان على الميت دين تعلق بتركته، فليس للوارث إمضاء الشركة حتى يقضي دينه، فإن قضاه من غير مال الشركة فله الإتمام، وإن قضاه بطلت الشركة في قدر ما قضى.
وقال الدكتور صالح المرزوقي في شركة المساهمة: والشركة وإن كانت من العقود الجائزة إلا أنها أيضاً عقد مستمر فقد أجاز الفقهاء في حالة وفاة أحد الشركاء استمرارها بين الآخرين إذا كانوا اثنين فأكثر، ويجوز استمرارها مع ورثة المتوفى إذا اتفقوا على ذلك، ومثله المجنون والمحجور عليه، فهي لا تنفسخ بالموت أو بالجنون أو غيرها إلا في حق كل واحد منهم، فلا تنفسخ في حق الشركاء الآخرين، ولكنها تبقى مستمرة بينهم، وكما ذكرنا فإنه يمكن أيضاً استمرارها مع ورثة المتوفى ومع ولي المجنون ونحو ذلك، جاء في مغني المحتاج: ولو مات أحد الشريكين وله وارث غير رشيد ورأى الولي المصلحة في الشركة استدامها، على خلاف بين الفقهاء هل هي استمرار للعقد السابق، وهو الراجح، أو ابتداء عقد جديد.
والله أعلم.