الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد أبعدت السائلة النجعة، وتجاوزت الحد، وبالغت في مسألة التكفير. ويحتمل أن يكون ذلك من آثار الوسوسة المذمومة في باب الكفر!
وعلى أية حال، فليس كل قول على الله تعالى بغير علم، يعد كفرا وإن كان إثما، وخِطْئًا كَبِيرًا. وليس كل من حرَّم حلالا، أو أحلَّ حراما، أو أفتى بغير علم، يكفر بذلك. بل ليس كل من قال كفرا، يخرج من الملة، حتى تتحقق فيه شروط التكفير، وتنتفي موانعه! وقد سبق لنا بيان متى يكون القول على الله بغير علم شركاً، أو أعظم من الشرك، وذلك في الفتوى رقم: 277186.
ثم إننا نسأل السائلة: لماذا لا يتوجه سؤالها على البعوض، كما توجه على البرغوث، فقد ذكر هو الآخر في تفسير الآية، وليس الأمر كما نفته السائلة.
قال الراغب في (المفردات في غريب القرآن): القمل: صغار الذباب، قال تعالى: {وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ}. اهـ.
وجاء في (تفسير المنار): جزم الراغب بأن القمل صغار الذباب، وهو موافق لما في التوراة، ففيها أن البعوض، والذبان كان من الضربات العشر، التي ضرب الرب بها فرعون وقومه. اهـ.
وذكره المراغي في تفسيره.
والذي لا بد من الاهتمام به هنا: هو التنبيه على أن الحكم بكفر شخص معين، ليس بالأمر الهين، وأن مسائل التكفير لا يجوز الكلام فيها بالتوهم والظنون، ولا يتكلم فيها إلا أهل العلم.
وقد تقرر في الشريعة أن من ثبت إسلامه بيقين، لا يزول إسلامه إلا بيقين، وأن الأصل بقاء ما كان، على ما كان، فلا يكفر المسلم إلا إذا أتى بقول، أو بفعل، أو اعتقاد دل الكتاب والسنة على كونه كفراً أكبر، مخرجا من ملة الإسلام، أو أجمع العلماء على أنه كفر أكبر، ومع ذلك، فلا يحكم بكفر المعين، إلا إذا توفرت فيه شروط التكفير، وانتفت عنه موانعه، ومن ذلك أن يكون بالغاً عاقلاً، مختاراً، غير معذور بجهل، أو تأويل، ولذلك لا يقع الكفر على كل من وقع في الكفر.
وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 721، 53835، 65312.
والله أعلم.