الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان العرف فاشياً بأنّ هذه الهدايا يقصد رد عوضها وليست هبة محضة، فالظاهر ـ والله أعلم ـ وجوب رد عوضها؛ لأنّ العرف كالشرط، وقد نص غير واحد من الفقهاء على أن النقوط دين، يجب رده لصاحبه، على ما جرى به العرف. سُئِلَ الفقيه الشافعي: ابن حجر الهيتمي عن حكم النقوط، فأجاب: النُّقُوطُ: أَفْتَى الْأَزْرَقِيُّ وَالنَّجْمُ الْبَالِسِيُّ بِأَنَّهُ قَرْضٌ فَيَرْجِعُ بِهِ دَافِعُهُ, وَخَالَفَهُمَا الْبُلْقِينِيُّ، وَالْعَادَةُ الْغَالِبَةُ قَاضِيَةٌ بِأَنَّ أَحَدًا لَا يُعْطِي شَيْئًا مِنْهُ إلَّا بِقَصْدِ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ مِثْلُهُ، إذَا عَمِلَ نَظِيرَ ذَلِكَ الْفَرَحِ, وَقَاعِدَةُ أَنَّ الْعَادَةَ مُحْكَمَةٌ تُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ, وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. انتهى.
وجاء في فتح العلي المالك وهو أحد كتب المالكية:..... قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: مَا يُهْدَى مِنْ الْكِبَاشِ وَغَيْرِهَا عِنْدَ الْعُرْسِ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلطَّالِبِ بِالْمُكَافَأَةِ عَلَيْهِ لِلْعُرْفِ، وَأَنَّ الضَّمَائِرَ مُنْعَقِدَةٌ عَلَى أَنَّهُ يُهْدِيهِ مِثْلَهَا إذَا كَانَ لَهُ عُرْسٌ، وَنَزَلَتْ عِنْدَنَا فَقَضَى لَهُ بِذَلِكَ وَحَاسَبَهُ بِمَا أَكَلَ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ الصَّنِيعِ مِنْ قِيمَةِ ذَلِكَ، نَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ، وَاسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ: إذَا كَانَ لَهُ عُرْسٌ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْوَاهِبَ الصَّبْرُ حَتَّى يَحْدُثَ لَهُ عُرْسٌ وَنَحْوُهُ فِي الْبُرْزُلِيِّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ التَّتَّائِيِّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ إلَيْهِ إنْ جَرَى بِهِ الْعُرْفُ وَتَبِعَهُ الْأُجْهُورِيُّ وَالْخَرَشِيُّ وَنَصُّهُ: وَأَمَّا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ الثَّوَابَ إلَّا أَنْ تَفُوتَ بِيَدِهِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ فَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ يَوْمَ قَبْضِ الْهِبَةِ، وَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ شَيْئِهِ مُعَجَّلًا, وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَصْبِرَ إلَى أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ عُرْسٌ. انْتَهَى.
من هذه النصوص يتبين للسائلة أنه يجب عليها مكافأة من قدم لها هذه الهدية إن كان العرف جاريا بذلك، كما هو السائد، أو تطلب من أهدت لها المسامحة، ولا عبرة بكون السائلة لم تطلب الهدية من قبل، والعبرة بحيازتها لها.
والله أعلم.