الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب في عظم حقّ الأمّ على ولدها، ووجوب برّه بها، وإحسانه إليها، وهو من أفضل الأعمال التي يحبها الله، والتي ترجى بركتها في الدنيا والآخرة، والأمّ لها الحق أن تأخذ من مال ولدها ما تحتاج إليه فقط وفق شروط بيناها في الفتويين رقم: 203218، ورقم: 46692.
والذي نراه أن الكلام في هذا الموضوع سابق لأوانه بالنسبة لكما، فعليك الآن أن تترفق بأمّك وتكلمها بأدب وتوقير، وأن تسعى في استرضائها، واستعمل الحكمة والمداراة والكلام الطيب الجميل حتى لا تغضبها، ومادمت لم تصل إلى مرحلة الكسب، فلا داعي أن تأخذ قرارك الآن: هل ترفض طلبها أم تستجيب له، فقد يكون حالها حينئذ مختلف عن حالها الآن من حيث الحاجة وعدمها.
وأمّا أخواتك: فمادام أبوهنّ قادراً على الإنفاق عليهن، فنفقتهن عليه، ولا تلزمك نفقتهن، قال ابن قدامة رحمه الله: ومن كان له أب من أهل الإنفاق لم تجب نفقته على سواه. اهـ
لكن إن قدرت بعد ذلك على الإنفاق على أخواتك وإعطاء أمّك ما لا يضرك إعطاؤه من مالك، فهذا أولى وأفضل وأعظم أجراً، فقد جاء في الفروق للقرافي: قِيلَ لِمَالِكٍ... يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لِي وَالِدَةٌ وَأُخْتٌ وَزَوْجَةٌ فَكُلَّمَا رَأَتْ لِي شَيْئًا قَالَتْ: أَعْطِ هَذَا لِأُخْتِك، فَإِنْ مَنَعْتُهَا ذَلِكَ سَبَّتْنِي وَدَعَتْ عَلَيَّ، قَالَ لَهُ مَالِكٌ مَا أَرَى أَنْ تُغَايِظَهَا وَتَخْلُصَ مِنْهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ أَيْ وَتَخْلُصَ مِنْ سَخَطِهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ.
والله أعلم.