الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن السحر حق، وله تأثير على المسحور بقضاء الله وقدره، فيحصل به التفريق بين الزوجين، ويحصل به الصرف والعطف وغير ذلك من الضرر بالمسحور، فتجد الشخص ينصرف عن المحبوب، ويميل إلى شخص آخر، فبالعطف يجعلون الإنسان ينعطف على زوجته، أو امرأة أخرى، حتى يكون كالبهيمة تقوده كما تشاء، والصرف بالعكس من ذلك، فينفر منها.
ويدل لحصول هذا التأثير بإذن الله، وأنه لا يقع إلا ما أذن الله فيه، قوله تعالى: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ {البقرة:102} ، وفي هذا دليل دامغ على أن تأثير السحر إنما هو بأمر الله تعالى، وأنه لا يحول دون ما قدره الله في شيء.
ومن الصرف أن يخيل الشيطان، أو الساحر لخاطب أن من يريد خطبتها مشوهة الخلقة.
قال العلامة الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى-: الساحر يتعاطى أموراً يسحر بها الناس، تارة بالتخييل، كما قال الله عن سحرة فرعون: (يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) طه/66، ويعملون أعمالاً تغير مناظر الأمور في أعين الناس، حتى يروا الأشياء على غير ما هي عليه، كما قال تعالى في سورة الأعراف: (فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم) /166، فهم يفعلون أشياء تسحر العيون، حتى يرى الحبل حية، والعصا حية تمشي، وهي ليست حية وإنما عصا أو حبل، وكذلك يسحرون الناس بأمور أخرى مما يبغض الرجل إلى امرأته، والمرأة إلى زوجها، مما يسحرون به أعينهم، وبما يعطونهم من أدوية خبيثة يتلقونها عن الشياطين، وبما يعقدون من العقد التي ينفثون فيها بدعوة غير الله من الشياطين، والاستعانة بهم في إضرار الناس، فيخيل للرجل أن زوجته غير الزوجة المعروفة، فيراها في طلعة قبيحة ينفر منها ويبغضها، ويخيل للمرأة أن زوجها غير زوجها المعروف في صورة قبيحة، وفي صورة مفزعة، بأسباب مما وقع من هؤلاء المجرمين. فسحرهم على نوعين: نوع يكون بالتخييل والتزوير على العيون، حتى ترى الأشياء على غير ما هي عليه. ونوع آخر منه يسمى الصرف والعطف، يكون بالعقد، والنفث والأدوية، التي يصنعونها من وحي الشياطين، وما تزينه لهم ويدعونهم إليه، وهذا النوع الثاني يحصل به تحبب الرجل إلى امرأته، أو بغضه لها والعكس، وهكذا غير الزوج والزوجة مع الناس الآخرين، ولهذا شرع الله لنا الاستعاذة من شر النفاثات في العقد، وشرع لنا الاستعاذة من كل سوء. اهـ.
وقال الشيخ ابن جبرين: الساحر هو الذي يستخدم الشياطين، ويتقرب إلى الجن بما يحبون من الذبح لهم من دون الله، ومن دعائهم مع الله، ومن طاعتهم في معصية الله بالزنا، وشرب الخمر، وأكل الحرام، وترك الصلاة، والتلطخ بالنجاسات، والبقاء في الأماكن القذرة، حتى تجيبه الشياطين لما طلب منها من الإضرار بالمسحورين بالصرف، والعطف والملاطفة، والتفريق بين المرء وزوجه، والإخبار ببعض المغيبات، وبالمسروق، ومكان الضالة، فهذا مشرك كافر؛ لأنه عبد الله وعبد الشيطان، وهذا هو الشرك الأكبر، فيكون كافراً لقوله تعالى: (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) البقرة/102 ولقوله تعالى: (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) البقرة/102. اهـ .
والله أعلم.