الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمؤمن يعبد الله، ويمتثل ما أمر به بغض النظر عن ظهور حكمة التكليف له من عدمه، وهو يعلم أن الله تعالى حكيم، لا يشرع شيئا إلا لحكمة ومصلحة، وسواء ظهرت لنا تلك الحكمة أو لم تظهر، وهو لا يتكلف البحث عن حكم التكاليف لأن ذلك يوهن الانقياد كما قال العلماء، فإذا ظهرت له حكمة التكليف لم تزده إلا انقيادا، قال ابن القيم رحمه الله: ومن علامات تعظيم الأمر والنهي أن لا يحمل الأمر على علة تضعف الانقياد والتسليم لأمر الله عز وجل، بل يسلم لأمر الله تعالى وحكمه ممتثلاً ما أمر به؛ سواء ظهرت له حكمته أو لم تظهر، فإن ظهرت له حكمة الشرع في أمره ونهيه حمله ذلك على مزيد الانقياد والتسليم. انتهى
على أن من كان منقادا للشرع لكنه يبحث عن الحكمة فيه ليدعو إلى الله تعالى ببيان تلك الحكمة فهو محسن في ذلك، وما يحصله من الحكم الظاهرة لأحكام الشرع هو من العلم الذي يثاب طالبه، وخاصة إذا انضم لذلك نية الدعوة إلى الله تعالى، وبخاصة دعوة الكفار الذين يستجيبون للحق إذا ظهرت لهم حكمة الأمر به، وفاعل هذا بهذا القصد مأجور مثاب إن شاء الله، وليس عمله هذا من البدع، لكن عليه أن ينتبه إلى ضرورة بيان أن الانقياد والتسليم إنما هو للشرع لا لمجرد الحكمة، وأن يحذر من ذكر ما ليس بحكمة للتشريع في نفس الأمر؛ كأن كان ما يذكره من الحكم لا يقوم عليه دليل بين أو لا يظهر ظهورا واضحا، فإن هذا يؤدي إلى النفور، ومزيد الإعراض عن الدعوة، فيضر صاحب هذا المسلك من حيث قدر أنه ينفع.
والله أعلم.