الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن هذا السؤال خطأ من أصله، فالله تعالى "على كل شيء قدير" "ليس كمثله شيء" "لا يسأل عما يفعل" ولا يفعل إلا الحكمة جل وعلا، وهو أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد.
وكيف يتصور العاقل وجود إلهين؟ واعلم أنا لو تصورنا -جدلًا- وجود إلهين، فإنهما لن يكونا إلا متقارنين في القدرة، أو على مستوى واحد، وكلا الاحتمالين باطل، ذلك لأنهما إذا كانا متفاوتين في القدرة، فإن الأقوى منهما سيكون هو الإله وحده، والآخر تابع له، فليس إلها إذاً. وإن كانا على مستوى واحد في القدرة، وأراد أحدهما خلق شيء ولم يرده الآخر، وقع المحال، إذ لا يتصور أن يكون الشيء موجودًا وغير موجود في آن واحد. قال تعالى: لَوْكَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ [الأنبياء:22].وقال سبحانه: قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً *سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً [الإسراء:42-43]. وقال سبحانه: أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ {النمل:60}، وقال سبحانه: أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ {النمل:61}، وقال سبحانه: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل:62}، وقال سبحانه: أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ {النمل:63}، وقال سبحانه: أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {النمل:64}.
فتبين -إذاً- من جميع ما ذكر أن وجود إلهين مستحيل عقلًا ونقلًا، كما أنه لا يتصور أن يكون إله مخلوقًا موجودًا بعد أن لم يكن شيئًا.
والله أعلم.