الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما يسمى بنظام الإيجار القديم من العقود الباطلة شرعاً، لأن معلومية المدة في عقد الإجارة أمر واجب بلا خلاف بين الأئمة، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن استئجار المنازل جائز، ولا تجوز إجارتها إلا في مدة معينة معلومة. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: الإجارة إذا وقعت على مدة يجب أن تكون معلومة كشهر وسنة، ولا خلاف في هذا نعلمه، لأن المدة هي الضابطة للمعقود عليه، المعرفة له فوجب أن تكون معلومة. انتهى. وراجعي الفتوى: 103971.
وأما مسألة مقدار الأجرة فالعبرة فيه بما يتفق عليه في العقد، ولا ينظر إلى تكلفة العقار أوغيرها، بل للمالك أن يطلب أجرة معينة، وإذا رضيها المستأجر لزمته، ولا تحديد في ذلك شرعا، جاء في "المعايير الشرعية" الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ص 138 : " ويجب أن تكون الأجرة معلومة، ويجوز تحديدها بمبلغ للمدة كلها، أو بأقساط لأجزاء المدة، ويجوز أن تكون بمبلغ ثابت أو متغير بحسب أي طريقة معلومة للطرفين ".
وعلى كل، فالمبالغة في مقدار الأجرة لا يحرم إذا تراضى عليه الطرفان؛ لكن يكره استغلال حاجة الناس وإرهاقهم بما يشق عليهم مشقة بالغة، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم للتاجر السمح بالرحمة فقال: رحم الله عبدا سمحا إذا باع، سمحا إذا اشترى، سمحا إذا قضى، سمحا إذا اقتضى. رواه مالك في الموطأ عن جابر رضي الله عنه، وبعضه في البخاري.
والأجرة أخت البيع في الأحكام غالبا. قال ابن بطال في شرح البخاري: فيه الحض على السماحة وحسن المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق ومكارمها، وترك المشاحة والرقة في البيع، وذلك سبب إلى وجود البركة فيه؛ لأن النبي عليه السلام لا يحض أمته إلا على ما فيه النفع لهم في الدنيا والآخرة، فأما فضل ذلك في الآخرة فقد دعا عليه السلام بالرحمة لمن فعل ذلك، فمن أحب أن تناله بركة دعوة النبي - عليه السلام - فليقتد بهذا الحديث ويعمل به. اهـ.
والله أعلم.