الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فمن توفي عن ثلاثة أبناء، وابنتين، ولم يترك وارثًا غيرهم، فإن تركته لهم تعصيبًا، للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقول الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ {النساء:11}، فتقسم التركة على ثمانية أسهم: لكل ابن سهمان، ولكل بنت سهم واحد.
وأما الوصية فحسب ما ذكر في السؤال، فإن الميت قد أوصى "بخُمُسِ غَلَّةِ خمسِ سنين"، وهذه وصية بمنفعة، ولا حرج في ذلك، قال ابن قدامة في الكافي: وتجوز الوصية بالمنافع؛ لأنها كالأعيان في الملك بالعقد، والإرث، فكذلك في الوصية. اهـ.
وذكر ذلك النووي في المجموع أيضًا، وفي البيان في مذهب الشافعي: وتصح الوصية بالمنافع التي تستباح بالإجارة، والإباحة، كسكنى الدار، وخدمة العبد، وثمرة البستان، وما أشبهه.
وفيه أيضًا: وإن وصى رجل لرجل بدينار من غلة داره في كل سنة، وخرجت الدار من الثلث، ووقفت الدار.. فلا يجوز للورثة بيعها؛ لأن ذلك يسقط حق الموصى له من غلتها، فلم يجز بيعها، كالمرهون، فيدفع إلى الموصى له من غلتها كل سنة دينار: فإن بقي من غلتها شيء بعد الدينار.. دفع ذلك إلى الورثة. وإن لم يبق لهم شيء.. فلا شيء لهم. وإن لم تف غلة الدار كل سنة بدينار، فلا شيء للموصى له، غير ما جاء من غلتها. اهـ.
وقد ذكر بعض أهل العلم أنه يعتبر حال الوصية بالمنافع، أن تخرج العين المنتفع بغلتها من الثلث، جاء في الموسوعة الفقهية: وَالْمَنْفَعَةُ الْمُوصَى بِهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُطْلَقَةً أَمْ مُقَيَّدَةً، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهَا خُرُوجُ الْعَيْنِ الَّتِي أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهَا مِنْ ثُلُثِ الْمَال، فَإِنْ خَرَجَتْ مِنَ الثُّلُثِ، جَازَتِ الْوَصِيَّةُ فِي جَمِيعِ الْمَنَافِعِ. اهـ.
والمتوفى قد أوصى بخمس غلة العقارات المستثمرة، بأن تجمع غلة خمس سنين، ويصرف خمسها في الأعمال الخيرية -كما أوصى-.
وإذا كان ذلك لا يزيد على ثلث التركة، فالوصية ماضية، وكذا لو زاد وأمضاها الورثة فيما زاد، وكانوا جميعًا راشدون بالغون، فتمضي أيضًا.
وفي كيفية تقويم المنفعة طرق ذكرها أهل العلم، منها أن يقوم العقار كامل المنفعة، ويقوم مسلوب المنفعة في المدة الموصى بها، ويعتبر ما بينهما من الثلث.
ومنها: أن لا يقوم العقار ذاته؛ لأن الموصى به هو المنفعة، فلا يقوم غيرها، وإنما تقوم المنفعة حسب المدة، فيعتبر قدرها من الثلث.
وهكذا ذكر ذلك النووي، وغيره، والمقام لا يتسع لبسط الأقوال وتفصيلها.
وعليه؛ فينبغي مشافهة أهل العلم بالمسألة، ولا سيما أن التركات والوصايا من المسائل الشائكة التي لا يكتفى فيها بالسؤال عن بعد، بل يشافه أهل العلم بها، أو تعرض على المحاكم والجهات المختصة بذلك.
والله تعالى أعلم.