الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن يكون عمل الأطباء، منفصلاً عن عمل الطبيبات، وأن يقوم الأطباء بمداواة الرجال، والطبيبات بمداواة النساء، لكنّ عمل الطبيب مع طبيبة أجنبية في عيادة واحدة، ليس محرماً على كل حال، فيجوز إذا لم يشتمل على خلوة، أو اختلاط مريب، ومداواة الطبيب للنساء، أو مداواة الطبيبات للرجال، جائزة عند الحاجة.
ويجوز للطبيب حيث دعت الحاجة لمداواته المرأة، أن ينظر منها إلى موضع الحاجة.
قال النووي -رحمه الله-: " .... ويشترط في جواز نظر الرجل إلى المرأة لهذا، أن لا يكون هناك امرأة تعالج، وفي جواز نظر المرأة إلى الرجل، أن لا يكون هناك رجل يعالج، كذا قاله أبو عبد الله الزبيري والروياني، وعن ابن القاص خلافه. قلت: الأول أصح. روضة الطالبين.
وقال الشربيني -رحمه الله-: ..النظر للمداواة كفصد وحجامة، وعلاج ولو في فرج، فيجوز إلى المواضع التي يحتاج إليها فقط؛ لأن في التحريم حينئذ حرجا، فللرجل مداواة المرأة وعكسه، وليكن ذلك بحضرة محرم، أو زوج، أو امرأة ثقة، إن جوزنا خلوة أجنبي بامرأتين، وهو الراجح. الإقناع للشربيني.
وقد ناقش مجلس مجمع الفقه الإسلامي، البحوث الواردة إليه بخصوص موضوع مداواة الرجل للمرأة، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي: الأصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة مسلمة، يجب أن تقوم بالكشف على المريضة، وإذا لم يتوافر ذلك، فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة، فإن لم يتوافر ذلك، يقوم به طبيب مسلم، وإن لم يتوافر طبيب مسلم، يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم، على أن يطّلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض، ومداواته، وأن لا يزيد عن ذلك، وأن يغض الطرف قدر استطاعته، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم، أو زوج، أو امرأة ثقة خشية الخلوة، ويوصي بما يلي: أن تولي السلطات الصحية جُلَّ جهدها لتشجيع النساء على الانخراط في مجال العلوم الطبية، والتخصص في كل فروعها، وخاصة أمراض النساء والتوليد، نظراً لندرة النساء في هذه التخصصات الطبية، حتى لا نضطر إلى قاعدة الاستثناء.اهـ.
وعليه، فيراعي الطبيب ذلك في مجال عمله، فمتى كانت هنالك طبيبة مختصة، فعلى النساء العلاج عندها، وليس للرجل أن يتولى ذلك ولو طلبنه منه، لكن إذا لم يكن له اختيار في مداواة النساء؛ لكون المستشفى يخصص له حصة من المرضى، ولا يملك تغييرها، فلا حرج عليه حينئذ في مداواة النساء، مع مراعاة الضوابط الشرعية.
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: الواجب على إدارة المستشفى أن تلاحظ هذا، وأن تجعل المناوبة بين الرجال والنساء حتى إذا احتاج النساء المرضى أن يُعالجن، أو يفحصن أُرسل إليهن النساء، فإذا لم تقم الإدارة بهذا الواجب عليها ولم تبال، فأنتم لا حرج أن تفحصوا النساء، لكن بشرط ألا يكون هناك خلوة، أو شهوة، وأيضا يكون هناك حاجة إلى الفحص، فإن لم يكن حاجة، وأمكن تأخير الفحص الدقيق إلى وقت تحضر فيه النساء فأخروه، وإذا كان لا يمكن، فهذه حاجة، ولا بأس بها. انتهى. "لقاءات الباب المفتوح".
أمّا حكم المال المكتسب من مداواة النساء، فهو حلال، ما دمت قد بذلت العمل المطلوب، وانظر الفتوى رقم: 214135.
والله أعلم.