الإجابــة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالجماع في الدبر محرم، وهو كبيرة من الكبائر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
ملعون من أتى امرأة في دبرها. رواه
أبو داود ولقوله صلى الله عليه وسلم:
لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في دبرها. رواه
الترمذي والنسائي .
ولا يجوز للزوجة أن تطيع زوجها في ذلك، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقول الزوج إنه لا توجد سورة في القرآن تدل على حرمة الجماع في الدبر خطأ من وجهين:
الأول: أن الأحكام الشرعية لا يقتصر في أخذها على القرآن فحسب، بل تؤخذ من السنة أيضا.
قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7].
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء: 59 ].
فأمر تعالى بطاعته وطاعة رسوله، وكرر الفعل أطيعوا إعلاما بأن طاعة الرسول تجب استقلالا من غير عرض ما أمر به على القرآن، فإذا أمر صلى الله عليه وسلم بأمر، وجبت طاعته مطلقا، سواء كان ما أمر به في القرآن أو لم يكن، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من رد سنته بحجة الاكتفاء بالقرآن، فقال صلى الله عليه وسلم:
لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا ندري، ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه. رواه
أبو داود وأحمد بلفظ:
ألا يوشك رجل ينثنى شبعانا على أريكته يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه.
ورواه أيضا
البيهقي في دلائل النبوة، وبوب عليه: باب ما جاء في إخباره صلى الله عليه وسلم بشبعان على أريكته يحتال في رد سنته بالحوالة على ما في القرآن من الحلال والحرام دون السنة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: أريكته، شبعان: فيه إشارة إلى أن إنكار الحديث إنما يأتي من المترفين الذين همهم تحصيل الشهوات وعدم المبالاة بأحكام الشريعة، فليحذر المسلم من الوقوع في هذا.
الثاني: أن القرآن قد دل على تحريم الجماع في الدبر.
فقد قال تعالى: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة: 223].
فأباح سبحانه إتيان الزوجة في الحرث وهو موضع الولد وهو الفرج دون غيره.
قال
ابن عباس رضي الله عنه:
جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت، قال: وما أهلكك؟ قال: حولت رحلي البارحة، قال: فلم يرد علي شيئا، قال: فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية: : نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة: 223]. أقبل وأدبر واتقوا الدبر والحيضة. رواه
أحمد والترمذي، قال الإمام
النووي في شرحه على صحيح
مسلم: قال العلماء: وقوله تعالى: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة: 223]: أي موضع الزرع من المرأة وهو قبلها الذي يزرع فيه المني لابتغاء الولد، ففيه إباحة وطئها في قبلها، إن شاء من بين يديها، وإن شاء من ورائها، وإن شاء مكبوبة، وأما الدبر، فليس هو بحرث ولا موضع زرع، ومعنى قوله: أنى شئتم، أي كيف شئتم، واتفق العلماء الذين يعتد بهم على تحريم وطء المرأة في دبرها حائضا كانت أو طاهرا، لأحاديث كثيرة مشهورة، كحديث: ملعون من أتى امرأة في دبرها. قال أصحابنا: لا يحل الوطء في الدبر في شيء من الآدميين ولا غيرهم من الحيوان في حال من الأحوال.والله أعلم.
وقد أفاض
ابن القيم رحمه الله في بيان المضار المترتبة على الجماع في الدبر بكلام نفيس يحسن نقله هنا:
قال -رحمه الله- في زاد المعاد:
وإذا كان الله حرم الوطء في الفرج لأجل الأذى العارض -يعني الحيض- فما الظن بالحش الذي هو محل الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل والذريعة القريبة جدا من أدبار النساء إلى أدبار الصبيان، وأيضا، فللمرأة حق على الزوج في الوطء، ووطؤها في دبرها يفوت حقها، ولا يقضي وطرها، ولا يحصل مقصودها.
وأيضا فإن الدبر لم يتهيأ لهذا العمل ولم يخلق له، وإنما الذي هيء له الفرج، فالعادلون عنه إلى الدبر، خارجون عن حكمة الله وشرعه جميعا.
وأيضا فإن ذلك مضر بالرجل، ولهذا ينهى عنه عقلاء الأطباء من الفلاسفة وغيرهم، لأن للفرج خاصية في اجتذاب الماء المحتقن وراحة الرجل منه والوطء في الدبر لا يعين على اجتذاب جميع الماء ولا يخرج كل المحتقن لمخالفته للأمر الطبيعي.
وأيضا يضر من وجه آخر، وهو إحواجه إلى حركات متعبة جدا لمخالفته للطبيعة.
وأيضا فإنه محل القذر والنجو فيستقبله الرجل بوجهه ويلابسه.
وأيضا فإنه يضر بالمرأة جدا، لأنه وارد غريب بعيد عن الطباع منافر لها غاية المنافرة.
وأيضا فإنه يحدث الهم والغم والنفرة عن الفاعل والمفعول.
وأيضا فإنه يسود الوجه ويظلم الصدر ويطمس نور القلب ويكسو الوجه وحشة تصير عليه كالسيماء يعرفها من له أدنى فراسة.
وأيضا فإنه يوجب النفرة والتباغض الشديد والتقاطع بين الفاعل والمفعول، ولا بد.
وأيضا فإنه يفسد حال الفاعل والمفعول فسادا لا يكاد يرجى بعده صلاح إلا أن يشاء الله بالتوبة النصوح.
وأيضا فإنه يذهب بالمحاسن منهما ويكسوهما ضدها، كما يذهب بالمودة بينهما ويبدلهما بها تباغضا وتلاعنا.
وأيضا فإنه من أكبر أسباب زوال النعم وحلول النقم، فإنه يوجب اللعنة والمقت من الله وإعراضه عن فاعله وعدم نظره إليه، فأي خير يرجوه بعد هذا، وأي شر يأمنه وكيف حياة عبد قد حلت عليه لعنة الله ومقته وأعرض عنه بوجهه ولم ينظر إليه.
وأيضا فإنه يذهب بالحياء جملة، والحياء هو حياة القلوب، فإذا فقدها القلب استحسن القبيح واستقبح الحسن وحينئذ فقد استحكم فساده.
وأيضا فإنه يحيل الطباع عما ركبها الله ويخرج الإنسان عن طبعه إلى طبع لم يركب الله عليه شيئا من الحيوان، بل هو طبع منكوس، وإذا نكس الطبع انتكس القلب والعمل والهدى، فيستطيب حينئذ الخبيث من الأعمال والهيئات، ويفسد حاله وعمله وكلامه بغير اختياره.
وأيضا فإنه يورث من الوقاحة والجرأة ما لا يورثه سواه.
وأيضا فإنه يورث من المهانة والسفال والحقارة ما لا يورثه غيره.
وأيضا فإنه يكسو العبد من حلة المقت والبغضاء وازدراء الناس له واحتقارهم إياه واستصغارهم له ما هو مشاهد بالحس، فصلاة الله وسلامه على من سعادة الدنيا والآخرة في هديه واتباع ما جاء به، وهلاك الدنيا والآخرة في مخالفة هديه وما جاء به.
هذا عن الوطء في الدبر، أما عن الأفلام، فإنه لا يجوز للمسلم أن يرى الأفلام التي تسمى الأفلام الجنسية أو الصور والمشاهد التي تعرضها المواقع الإباحية، وفعل ذلك ذريعة للوقوع في الفواحش بمختلف أنواعها، وسبب لغضب الله وسخطه وفساد القلب وانطفاء نوره، وقد سبق تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 2778، ، والفتوى رقم: 6617، .
وما وقع للزوج من طلبه منك الجماع في الدبر هو أثر من آثار رؤيته لهذه الأشياء الخبيثة، ونحن نقترح أن يكون العلاج على النحو التالي:
أولا: إطلاعه على هذه الفتوى والفتاوى التالية:
الفتوى رقم: 9721، ، والفتوى رقم: 15921، ، والفتوى رقم: 28748. .
ثانيا: لا تمكني زوجك من أن يأتيك في الدبر، وراجعي لذلك الفتوى رقم:. 3909.
ثالثا: تكوين مكتبة في البيت تحتوي على الكتب الإسلامية والأشرطة النافعة التي تذكر بالله واليوم الآخر وتحث على التوبة.
رابعا: الإسرار إلى خطيب الجمعة أن يتناول موضوع رؤية المشاهد الإباحية وحرمة ومضار الجماع في الدبر، وأنه من الأفعال الشائنة التي تنبو عنها الفطرة السوية ولا يليق بالمسلم.
سادسا: إن لم ينفع ما سبق، فلك أن ترفعي أمرك إلى المحكمة الشرعية أو أي مركز إسلامي يعني بشؤون المسلمين للتفريق بينك وبينه، وراجعي لذلك الفتوى رقم:
203.
ونسأل الله أن يصلح زوجك وأن يهديه وأن يشرح صدره لقبول الحق، وأن يتوب عليه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.