الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلعل ترك الطعام الحار مغطى حتى يذهب بخاره، أقرب إلى الخير والبركة، كما يدل عليه حديث أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- أنها كانت إذا ثردت، غطته حتى يذهب فوره ودخانه -أو فورة دخانه-، ثم تقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه أعظم للبركة. رواه أحمد والدارمي وعبد بن حميد وابن أبي عاصم والطبراني وأبو نعيم والبيهقي، وصححه ابن حبان، والحاكم على شرط مسلم ولم يتعقبه الذهبي، والألباني.
وقال البيهقي عقبه: وروينا عن الأعرج، عن أبي هريرة أنه كان يقول: «لا يؤكل طعام حتى يذهب بخاره» وروي عن أبي ذر معناه. اهـ.
وبوب عليه ابن حبان في صحيحه باب: ذكر الاستحباب للمرء تغطية ثريده قبل الأكل، رجاء وجود البركة فيه.
وبوب عليه الهيثمي في (موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان) باب: تغطية الطعام حتى تذهب حرارته.
وبوب عليه البوصيري في (إتحاف الخيرة المهرة) باب: إبراد الطعام، وتغطية الإناء حتى يذهب فوره.
وفي ذلك تنبيه على مسألة تغطية الإناء حتى يذهب بخار الطعام.
ولذلك قال الطيبي في (شرح المشكاة): "فورة دخانه" أي غليان بخاره. و "حتى" ليست بمعنى (كي) بل لمطلق الغاية. اهـ.
وهذا أمر زائد على مجرد تركه حتى يبرد، فقد يترك مكشوفا ليبرد! ولكن ذكر التغطية يفيد معنى زائدا على هذا، وهو موافق لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: غطوا الإناء، وأوكوا السقاء، وأغلقوا الباب، وأطفئوا السراج؛ فإن الشيطان لا يحل سقاء، ولا يفتح بابا، ولا يكشف إناء، فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا، ويذكر اسم الله، فليفعل. رواه مسلم.
والله أعلم.