الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما أخذته من أبيك بالكذب والخداع، يلزمك رده إليه، ما لم يبرئك منه. ولا يلزمك إخباره بما كنت تفعل من تحايل عليه، بل يكفيك رد الحق إليه، ولو بطرق غير مباشرة. وليس لك أن تتصدق بالحق عنه، ما أمكن رده إليه، فيسعك أن تضع ما يتيسر لك في جيبه، أو مع ماله، حتى يغلب على ظنك براءة ذمتك مما أخذته. وإذا لم يكن المال لديك جميعا، فادفعه مقسطا حسب قدرتك. فالحقوق المادية لا بد من ردها لأصحابها، أو استحلالهم منها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه، أو شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات، أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ويمكنك أن تطلب من أبيك المسامحة، وأن يبرئك مما في ذمتك دون التصريح له بسبب ذلك، ودون سرد تفاصيل ما كنت تعمله. فإن سامحك وأبرأك، برئت ذمتك.
وأما مسألة الصدقة قبل سداد الحق، أو حصول الإبراء منه، فقد فصل فيها الإمام النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في المجموع فقال: إذا أراد صدقة التطوع وعليه دين، فقد أطلق المصنف ـ الشيرازي ـ وشيخه أبو الطيب، وابن الصباغ والبغوي وآخرون، أنه لا تجوز صدقة التطوع لمن هو محتاج إلى ما يتصدق به لقضاء دينه، وقال المتولي وآخرون: يكره، وقال الماوردي والغزالي وآخرون: لا يستحب، وقال الرافعي: لا يستحب، وربما قيل: يكره، هذا كلامه، والمختار أنه إن غلب على ظنه حصول الوفاء من جهة أخرى، فلا بأس بالصدقة، وقد تستحب، وإلا فلا تحل، وعلى هذا التفصيل يحمل كلام الأصحاب المطلق. اهـ.
والله أعلم.