الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن معنى الشرف والعز في هذا الحديث ليس هو شرف الدنيا المعروف عند الناس بالمال والجاه والنسب، بل هو الشرف عند الله تعالى، وكذلك العز ليس المقصود به في هذا الحديث معناه اللغوي من القوة والشدة والغلبة، بل عز المؤمن هنا هو استغناؤه عن الناس وعدم إنزاله لحاجاته بالناس، فمقصود هذا الحديث تنبيه السامعين على المعاني الأحق بهذه الألفاظ، كما ذكر ذلك الأمير الصنعاني ـ رحمه الله ـ في كتابه التَّنويرُ شَرْحُ الجَامِع الصَّغِيرِ، حيث قال: قوله إنَّ شرف المؤمن قيامه بالليل ـ والشرف: بتحريك فائه وعينه العلو، وهو عند الناس معروف في شرف الدنيا، بمال أو جاء أو نسب، فأخبر صلى الله عليه وسلم ونبه بهذه الصيغة على خطأ اعتقاد أن الشرف فيما ذكر، بل هو في قيام الليل والمراد: شرفه عند الله، فإنه الشرف الحقيقي، وقيام الليل مراد به القيام بالعبادة من تلاوة وصلاة وذكر لله: وعِزّه استغناؤُه عن الناس ـ العز: القوة والشدة والغلبة كما في النهاية، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن عز المؤمن غير هذا بل هو استغناؤه وعدم إنزاله لحاجاته بالناس، ومنه: استغن عمن شئت تكن نظيره ـ فإنه لا يستغنى عنهم إلا من كملت ثقته بالله تعالى، واعلم أن مثل هذه الاستعمالات النبوية لمثل هذه الألفاظ اللغوية الموضوعة فيها لمعان غير ما استعملها فيها الرسول صلى الله عليه وسلم مثل العز والشرف هنا.... يراد بها إيقاظ السامعين وتنبيههم على أن هذه الأسماء وغيرها قد وضعت لمسميات باعتبار معانيها، وهي بهذه المعاني أجدر وأحق وأكثر مناسبة, لأن المعاني هذه بها أحق وأوفق وأليق، وليس هذا قادحًا في حكمة الواضع، لأنه قد وضعها لمعان هي فيها صحيحة ما خلت عن الحكمة. انتهى.
ولا يمنع هذا أن من أخلص العمل لله سبحانه في قيامه الليل أن يجزيه الله مما يجزيه به أن يُنِيلَه الشرف في الدنيا والآخرة، وأن من استغنى عن الناس ثقة بالله ووعده، أن يُنِيله الله العز في الدنيا والآخرة، وقد تكلمنا في عدة فتاوى عن حكم من أراد بعض المصالح والمنافع بعبادته، وكيفية تصحيح العبادة، فانظر الفتاوى التالية أرقامه: 168889، 174409، 218920، 231154، 300781.
والله أعلم.