الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاعلم -وفقك الله- أن الرزق مقسوم، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، فعلق قلبك بالله تعالى، وثق بما في يده، وأيقن بسعة خزائنه، ثم عليك أن تطرق أوسع الأبواب لجلب الأرزاق، وهو باب دعاء الله تعالى، واللجأ إليه؛ فإن أزِمَّة الأمور كلها بيديه سبحانه، وتدبر قوله تعالى: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {فاطر:2}.
واعلم كذلك أن أعظم أسباب الحيلولة بين العبد وبين الرزق، هو الذنوب والمعاصي، فتب إلى الله، واستقم على شرعه، يكن ذلك سببا في سعة الرزق، مصداق ذلك قوله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ {الطلاق: 2-3}، وقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ {الأعراف:96}.
وعليك ألا تدع الأخذ بالأسباب الحسية، من توسيط ذوي الشأن، والتقديم في المسابقات، والجد في البحث عن وظيفة مناسبة، فتبحث عن العمل بجوارحك، وقلبك معلق بالله الذي يسبب الأسباب، ويجعلها تثمر نتائجها، وأنت أدرى بما يمكنك الأخذ به من الأسباب، لكن عليك ألا تقصر في البابين جميعا: باب الأخذ بالأسباب بالجوارح، وباب التوكل على الله بالقلب، فتثق بما في يد الله، وتفوض أمرك إليه، وترضى باختياره لك، عالما أن اختياره لك خير من اختيارك لنفسك، راضيا بجميع ما يجري به القلم، ويمضي به القدر حتى ولو كان مكروها، واجعل نصب عينيك قول الله تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.
والله أعلم.