الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيقول القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ[النساء:34] ابتداء وخبر أي يقومون بالنفقة عليهنَّ والذب عنهن، وأيضاً فإن فيهم الحكام والأمراء ومن يغزو، وليس ذلك في النساء. يقال: قوام وقيم.
والآية نزلت في سعد بن الربيع، نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن خارجة بن أبي زهير، فلطمها، فقال أبوها: يا رسول الله أفرشته كريمتي فلطمها! فقال عليه السلام: لتقتص من زوجها. فانصرفت مع أبيها لتقتص منه، فقال عليه السلام: ارجعوا.. هذا جبريل أتاني فأنزل الله هذه الآية. فقال عليه السلام: أردنا أمرًا وأراد الله غيره. وفي رواية أخرى: أردت شيئًا وما أراد الله خير. ونقض الحكم الأول.
وقد قيل: إن في هذا الحكم المردود نزل: وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ[طـه:114].
ويقال: إن الرجال لهم فضيلة في زيادة العقل والتدبير، فجعل لهم حق القيام عليهنَّ لذلك. وقيل: للرجال زيادة قوة في النفس والطبع ما ليس للنساء؛ لأن طبع الرجال غلب عليه الحرارة واليبوسة فيكون فيه قوة وشدة، وطبع النساء غلب عليه الرطوبة والبرودة، فيكون فيه معنى اللين والضعف، فجعل لهم حق القيام عليهنَّ بذلك. وبقوله تعالى: وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ. الثانية: ودلت هذه الآية على تأديب الرجال نساءهم، فإذا حفظن حقوق الرجال فلا ينبغي أن يسيء الرجل عشرتها، وقوام فعال للمبالغة من القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه وحفظه بالاجتهاد. فقيام الرجال على النساء هو على هذا الحد، وهو أن يقوم بتدبيرها وتأديبها وإمساكها في بيتها ومنعها من البروز، وأن عليها طاعته وقبول أمره ما لم تكن معصية، وتعليل ذلك بالفضيلة والنفقة والعقل والقوة في أمر الجهاد والميراث والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد راعى بعضهم في التفضيل اللحية وليس بشيء، فإن اللحية قد تكون وليس معها شيء مما ذكرنا.. فهم العلماء من قوله تعالى: وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواماً عليها، وإذا لم يكن قوّاماً عليها كان لها فسخ العقد لزوال المقصود الذي شرع لأجله النكاح، وفيه دلالة واضحة من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح عند الإعسار بالنفقة والكسوة، وهو مذهب مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يفسخ لقوله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ[البقرة:280]. اهـ.
وقوامة الرجل على المرأة بشروطها لا تتغير بتغير الزمان والمكان، وما ذكر في السؤال من تغير الأحوال لا يغير من الأمر شيئًا. وراجع الفتوى: 16826.
والله أعلم.