الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فهذا الكلام وغيره مما في معناه للفضيل بن عياض ـ رحمه الله ـ رواه عنه جمع من أهل العلم في باب ذم البدع وأهلها، وفي ترجمته من كتب التراجم، ومن هؤلاء: أبو نعيم في الحلية، والبربهاري في السنة، واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد، وابن بطة في الإبانة، والهروي في ذم الكلام وأهله، وابن الجوزي في تلبيس إبليس، والمقصود منه هو التشديد والتحذير من البدع وأهلها، وليس المراد منه الحكم على أعيان من يفعل ذلك بالكفر أو حبوط العمل!! وإلا فمثل هذه الأحكام تحتاج إلى حجة شرعية، وبرهان ظاهر، ولذلك قال الشيخ الدكتور ناصر العقل في تعليقه على شرح السنة للبربهاري: ينبغي التنبه لمثل هذه العبارات، وإن وردت عن مثل الفضيل ـ رحمه الله ـ ففيها نظر، مثل قوله: ومن انتهر صاحب بدعة آمنه الله يوم الفزع الأكبر ـ كان المفروض أن يقال: أرجو أن يؤمّنه الله عز وجل من الفزع الأكبر، من باب الرجاء، وكذلك قوله: من أهان صاحب بدعة رفعه الله في الجنة مائة درجة ـ فتحديد المائة فيه نظر، وهو لا ينبغي في الحقيقة، وهذا من التساهل عند بعض العبّاد أمثال الفضيل رحمه الله.... المهم أن تحديد هذه الأمور توقيفي لا ينبغي أن نأخذ الكلام فيها على التسليم، بل لابد أن نناقشها، ونقول: هذا شيء يحتاج إلى دليل شرعي، وليس عندنا دليل شرعي فنتوقف في مثل هذه الأمور، وقد ذكر لها العلماء قواعد كثيرة فيما يتعلق بالاستدلال، وكونها صدرت من الفضيل أو أمثال الفضيل لا يعني أنها تُقبل من كل وجه، فهي زلة. اهـ.
وأما الفتوى المشار إليها ـ رقم: 149369ـ فليس فيها أن التبسم في وجه الكافر لغير حاجة حرام.. وأن محبة الكافر لشخصه حرام.. كما ذكر السائل!!! وإنما فيها النص على أن مما يُرخَّص فيه: مودة الكافر غير المحارب لقرابته، أو لأخلاقه الحسنة، أو لنحو ذلك من الأسباب الطبيعية، وأن مضاحكة الكافر غير المحارب والتبسم في وجهه: لا بأس به كما أن فيها بيان درجات مودة الكافر، فأين هذا مما ذكره السائل؟! وهذا أيضا ينطبق على محبة المبتدع بدعة مكفرة فليس من الكفر أو الإثم: محبته محبة طبيعية لقرابة أو في مقابل نعمة أو إحسان ونحو ذلك، بخلاف محبته لبدعته مع العلم بكونها مكفرة، وبهذا يعلم السائل أن مجرد التبسم في وجه صاحب البدعة المكفرة ليس كفرا، ولا إثما.
والله أعلم.