الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما ذكرناه عن الشيخ الألباني -رحمه الله- في الفتوى رقم: 316543 من تضعيفه لحديث: وما يُدريكِ لعله كان يَتَكَلَّمُ فيما لا يَعْنيه، ويَمْنَعُ ما لا يَضُرُّه. ثابت عنه، كما في سلسلة الأحاديث الضعيفة برقم: 6107 .
وقد قال -رحمه الله- في نهاية تخريجه، وذكر علله: هذا؛ وإنما خرجت الحديث هنا؛ لأنني استنكرت ذكر الاستشهاد في بعض طرقه مع ضعفها، ولمنافاة ذلك لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين". رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في "الإرواء" (1196) وغيره، فكيف لا يغفر له ما ذكر في الحديث، مع الكلية المذكورة في الحديث الصحيح، ولم يستثن منها إلا الدين؟! وقد تأكدت من نكارة ذلك، حين وجدت للحديث شاهداً بإسناد حسن، عن كعب بن عجرة فيه أنه كان مريضاً قالت أمه: هنيئاً لك الجنة! فذكر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديث؛ فصح أنه قاله في المريض، وليس في الشهيد. فالحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله، وقد كنت أشرت إلى حديث كعب هذا في تعليقي على "رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار" (ص 72)، ولكن لم أكن وقفت على إسناده، فلما علمت به؛ بادرت إلى تخريجه في "الصحيحة" (3103) لجودة سنده، وسلامته من النكارة. انتهى.
والحديث الذي أشار إليه في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: 3103- هو: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كعباً، فسأل عنه؛ فقالوا: مريض، فخرج يمشي حتى أتاه، فلما دخل عليه قال: أَبشرْ يا كعبُ! فقالَتْ أمُّه: هنيئاً لكَ الجنَّةُ يا كعبُ! فقال: من هذه المتألّيةُ على الله؟ ! قالَ: هيَ أمِّي يا رسول الله! فقال: وما يدريك يا أمَّ كعب؟ ! لعلَّ كعباً قال ما لا يعنيه، أو منعَ ما لا يُغنيهِ.
وقد قال -رحمه الله- في نهاية تخريجه له: هذا، ولآخر الحديث شاهدان من حديث أنس، وأبي هريرة - فيهما نكارة - بسندين ضعيفين، خرجتهما في الكتاب الآخر برقم: (6107) . انتهى.
فهذان الموضعان في السلسلتين الصحيحة والضعيفة، يرجحان أن ما ذكره الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب قد تراجع عنه، وذلك لأسباب ثلاثة:
السبب الأول: من جهة الكثرة، وذلك أن تضعيف الحديث جاء في موضعين، بخلاف التصحيح فقد جاء في موضع واحد.
السبب الثاني: من جهة الزمن، فالموضعان اللذان في السلسلتين، قد طبعا بعد طباعة صحيح الترغيب والترهيب، فالمؤخر يقضي على المقدم في تغير الاجتهاد.
السبب الثالث: من جهة التفصيل والحجة، فأحكام الشيخ في السلسلتين فيها تفصيل، وذكر للعلل وغيرها من الحجج، بخلاف كتابه صحيح الترغيب والترهيب، فالأصل فيه أن يذكر الحكم مجملا، كما في هذا الحديث، والمفصل مقدم على المجمل.
والله أعلم.