الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأصل في الكفار هو معاداة المسلمين وبغضهم، وإرادة الشر بهم، ولكن لا يمتنع وجود بعض الكفار الذين يحبون الخير لبعض المسلمين؛ لقرابة، أو لمحبة طبعية، أو لغير ذلك من الأسباب، وقد كان أبو طالب مع شركه، يحوط النبي صلى الله عليه وسلم ويدفع عنه، وكان العباس كذلك قبل أن يسلم، وكانت خزاعة عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنهم وكافرهم، فدلت هذه الوقائع وغيرها كثير، على عدم امتناع محبة بعض الكفار لبعض المسلمين وإرادتهم الخير لهم، ويرشد إلى ذلك قوله تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ {البقرة:109}.
قال الشيخ أبو زهرة في تفسيرها: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ): ود هنا معناها تمنى، فإنها تستعمل بمعنى أحب، وبمعنى تمنى، وحيث كانت لو وما بعدها موضع الطلب، كانت بمعنى تمنى؛ فإن أمنية أهل الكتاب (وكذلك المشركون) أن يختفي هذا الدين، ولا يكون إلا الوثنية، وخصوصا الوثنيين الذين بقوا على وثنيتهم من الأوس والخزرج؛ لكيلا يكون محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه، مسيطرين على المدينة. ويلاحظ أمران:
أولهما: أن القرآن الكريم الذي أنزله العادل الحكيم، لم يذكر أهل الكتاب جميعا، بل ذكر الكثير منهم فقال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ منْ أَهْلِ الْكِتَابِ)؛ لأن بعضهم يرجى إيمانه، ويسير في طريق الإيمان، ومن سار في طريق الإيمان لا يرجو زواله، ومن يريد الهداية لَا يود زوالها. انتهى.
والله أعلم.