الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء في حكم الجمع بين الصلاتين بتيمم واحد، فمنهم من أجاز ذلك كالحنابلة والحنفية، ومنهم من منع من ذلك كالشافعية والمالكية، وقد ذكرنا أقوالهم في الفتوى رقم: 155173.
قال النووي في المجموع: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ فَرِيضَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ، سَوَاءٌ كَانَتَا فِي وَقْتٍ أَوْ وَقْتَيْنِ، قَضَاءً أَوْ أَدَاءً ...
وقال أيضا: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا فَرِيضَةٌ وَاحِدَةٌ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ بن أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ الْعَبَّاسِ وَابْنِ عُمَرَ وَالشَّعْبِيِّ والنخعي، وقتادة وربيعة ويحي الانصاري، ومالك والليث وأحمد وإسحاق. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ، وَأَبِي حنيفة ويزيد بن هارون أَنَّهُ يُصَلِّي بِهِ فَرَائِضَ مَا لَمْ يُحْدِثْ. قَالَ: وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي جَعْفَرٍ.... وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَدَاوُد: يَجُوزُ فَرَائِضُ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُوَافِقُوهُ. قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ: وَهُوَ الِاخْتِيَارُ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ. اهـ.
وجاء في كفاية الطالب الرباني من كتب المالكية: وَلَا يُصَلِّي صَلَاتَيْنِ فَرِيضَتَيْنِ حَضَرِيَّتَيْنِ أَوْ سَفَرِيَّتَيْنِ، أَوْ مَنْسِيَّتَيْنِ اشْتَرَكَتَا فِي الْوَقْتِ أَمْ لَا، بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ .. اهــ.
وعلى القول بالمنع، فإن المسافر إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين، تيمم لكل واحدة منهما، فيتيمم للصلاة الأولى ويصلي، فإذا سلم تيمم للثانية وصلى، ولا يضره الفصل اليسير بين الصلاتين.
قال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: وَلَا يَضُرُّ فَصْلٌ يَسِيرٌ فِي الْعُرْفِ، فَلِلْمُتَيَمِّمِ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا (بِهِ) أَيْ بِالتَّيَمُّمِ، وَبِالطَّلَبِ الْخَفِيفِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ ... اهــ.
والله تعالى أعلم.