الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا يختلف بحسب الوضع، والعبرة هنا بقصد الطرفين الدافع (صاحب المال)، والآخذ (السمسار أو المضارب).
وعلى أية حال، فلا بد من اعتبار علم صاحب المال، فإن كان يدفعه للسائل على أنه سيضارب فيه بنفسه، ولم يفوضه تفويضا مطلقا للتصرف فيه، فلا يسعه أن يدفعه لغيره على سبيل المضاربة إلا بإذن صاحب المال. وفي حال إذنه بذلك، فلا بد من الاتفاق على النسبة المستحقة لكل طرف من الأطراف الثلاثة: صاحب المال، والمضارب الأول، والمضارب الثاني. وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 78477.
ـ وأما إن كان يدفعه للسائل على أنه سمسار أو وسيط بينه وبين المضارب، نظير مقابل مادي، فليس للسائل إلا ما يعطيه إياه صاحب المال على سبيل الأجرة أو السمسرة. وراجع الفتويين: 226606، 344908.
وأما كون الأجرة نسبة من الربح فلا يصح عند جمهور الفقهاء، والراجح صحة ذلك، كما هو مذهب الحنابلة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 136690 وما أحيل عليه فيها.
وعلى التفصيل السابق يكون حكم من يأتيكم بمال لمستثمر، ويُحدَّد ما يستحقه من ربح أو سمسرة. ولا يكفي في ذلك مجرد النية، بل لا بد من اعتبار صورة الاتفاق والتكييف الشرعي للعقد.
وأما ما نسبه السائل لابن عباس – رضي الله عنهما - من جواز السمسرة نسبة، فإنه يبيح ما هو أظهر من ذلك، ألا وهو جهالة الأجرة في بعض الصور، حيث قال رضي الله عنهما: لا بأس أن يقول: بع هذا الثوب، فما زاد على كذا وكذا فهو لك. وهذا علقه عنه البخاري في باب أجر السمسرة. وراجع في ذلك الفتويين: 24498، 133119. قال الحافظ ابن حجر في الفتح تعليقا على أثر ابن عباس: وهذه أجر سمسرة أيضا لكنها مجهولة، ولذلك لم يجزها الجمهور، وقالوا: إن باع له على ذلك فله أجر مثله. وحمل بعضهم إجازة ابن عباس على أنه أجراه مجرى المقارض، وبذلك أجاب أحمد وإسحاق ... اهـ.
وقال ابن قدامة في (المغني): إذا قال: بع هذا الثوب بعشرة، فما زاد عليها فهو لك. صح، واستحق الزيادة. وقال الشافعي: لا يصح. ولنا أن ابن عباس كان لا يرى بذلك بأسا. ولأنه يتصرف في ماله بإذنه، فصح شرط الربح له في الثاني، كالمضارب والعامل في المساقاة. اهـ.
ولم نجد في هذه الصورة قولا لغير ابن عباس من الصحابة رضي الله عنهم. وقد أسند ابن حزم في المحلى أثر ابن عباس هذا ثم قال: ولا يعرف له من الصحابة في ذلك مخالف. وأجازه شريح، والحكم، والشعبي، والزهري، وعطاء. اهـ. ثم أسند نحوه عن ابن سيرين.
وقال ابن قدامة في (المغني): ولا يعرف له في عصره مخالف. اهـ.
وقد سبق أن نبهنا على أن جمهور الفقهاء لا يصححون كون الأجرة أو السمسرة إلا قدرا معلوما، فلا تصح النسبة عندهم، خلافا لمذهب أحمد، ومن وافقه من فقهاء الحديث، ومن سبقهم من فقهاء السلف. وهو الراجح؛ كما تقدم.
والله أعلم.