الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاللغات كلها، وكلام الناس جميعه، مخلوق لله تعالى، فقولك: إن الله هو خالق اللغات، كلام حق، لا حرج عليك فيه، وغير المخلوق هو كلام الله تعالى، فكلام الله غير مخلوق، وكلام غيره مخلوق كله، ونحن إذا تكلمنا بالقرآن، فأصواتنا، وحروفنا مخلوقة، وكلام الله الذي هو القرآن المتلو، غير مخلوق.
قال ناظم سلم الوصول:
يُحْفَظُ بِالْقَلْبِ وَبِاللِّسَانِ ... يُتْلَى كَمَا يُسْمَعُ بِالْآذَانِ
كَذَا بِالَابْصَارِ إِلَيْهِ يُنْظَرُ ... وَبِالْأَيَادِي خَطُّهُ يُسَطَّرُ
وَكُلُّ ذِي مَخْلُوقَةٌ حَقِيقَهْ ... دُونَ كَلَامِ بَارِئِ الْخَلِيقَهْ
جَلَّتْ صِفَاتُ رَبِّنَا الرَّحْمَنِ ... عَنْ وَصْفِهَا بِالْخَلْقِ وَالْحَدَثَانِ
فَالصَّوْتُ وَالْأَلْحَانُ صَوْتُ الْقَارِي ... لَكِنَّمَا الْمَتْلُوُّ قَوْلُ الْبَارِي
مَا قَالَهُ لَا يَقْبَلُ التَّبْدِيلَا ... كَلَّا وَلَا أَصْدَقُ مِنْهُ قِيلا.
وأما البحث عن كيفية تكليم الله خلقه يوم القيامة، فبحث عار عن الفائدة، وليس فيه عن المعصوم نص يتعين المصير إليه، وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- هذا المعنى، فقال ما عبارته: سأل سائل: بماذا يخاطب الناس يوم البعث؟ وهل يخاطبهم الله تعالى بلسان العرب؟ وهل يصح أن لسان أهل النار الفارسية، وأن لسان أهل الجنة العربية؟
فأجبته بعد: الحمد لله رب العالمين، لا يعلم بأي لغة يتكلم الناس يومئذ، ولا بأي لغة يسمعون خطاب الرب جل وعلا؛ لأن الله تعالى لم يخبرنا بشيء من ذلك، ولا رسوله عليه الصلاة والسلام.
ولم يصح أن الفارسية لغة الجهنميين، ولا أن العربية لغة أهل النعيم الأبدي.
ولا نعلم نزاعًا في ذلك بين الصحابة -رضي الله عنهم- بل كلهم يكفون عن ذلك؛ لأن الكلام في مثل هذا من فضول القول، ولا قال الله تعالى لأصحاب الثرى، ولكن حدث في ذلك خلاف بين المتأخرين، فقال ناس: يتخاطبون بالعربية. وقال آخرون: إلا أهل النار، فإنهم يجيبون بالفارسية، وهي لغتهم في النار. وقال آخرون: يتخاطبون بالسريانية؛ لأنها لغة آدم، وعنها تفرعت اللغات. وقال آخرون: إلا أهل الجنة، فإنهم يتكلمون بالعربية. وكل هذه الأقوال لا حجة لأربابها، لا من طريق عقل، ولا نقل، بل هي دعاوى عارية عن الأدلة. انتهى.
والله أعلم.