الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيجوز وقف المصحف، وجعل ثوابه للحي أو الأحياء عند بعض أهل العلم، ويعتبر ذلك من الصدقة الجارية، ووجهه عند من قال به: أن من ملك شيئًا، فله أن يهبه لمن يشاء حيًا أو ميتًا، ما لم يقم بالموهوب له مانع من الانتفاع بالثواب، ولا يمنع منه إلا الكفر.
جاء في مطالب أولي النهى للرحيباني الحنبلي: وَكُلُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا مُسْلِمٌ، وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِمُسْلِمٍ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ، حَصَلَ لَهُ، وَلَوْ جَهِلَهُ الْجَاعِلُ. اهـ.
وجاء في الإقناع للحجاوي الحنبلي: وكل قربة فعلها المسلم وجعل ثوابها، أو بعضها كالنصف ونحوه لمسلم حي أو ميت، جاز، ونفعه؛ لحصول الثواب له. اهـ.
وانظري الفتوى: 43035، والفتوى: 2288، والفتوى: 27664.
فوقف المصحف جائز في الجملة عند جمع كبير من العلماء، كما بينا في الفتوى: 43035، والفتوى: 27442 ولم نقف على قول لهم في الفرق بين الجزء من القرآن والمصحف الكامل، بل نص بعضهم على أن كل قربة فعلها المسلم وجعل ثوابها، أو بعضها كالنصف ونحوه، لمسلم حي أو ميت، جاز، ونفعه -كما رأيت- ولذلك، فلا مانع من وقف بعض الأجزاء، وجعل ثوابها لشخص معين، أو أشخاص أحياء أو أموات، على القول بجعل الثواب للحي والميت.
وبخصوص وقف السبحة وإهداء ثوابها للغير من الأحياء أو الأموات، فالظاهر -والله أعلم- أنه جائز أيضًا؛ لأن استعمالها في الطاعة مشروع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في مجموع الفتاوى: وكان من الصحابة -رضي الله عنهم- من يفعل ذلك -يستعمل الحصى ونحوها في التسبيح- وقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- أم المؤمنين تسبح بالحصى، وأقرها على ذلك. وروي أن أبا هريرة كان يسبح به. اهـ. وانظري الفتوى: 609.
وعلى ذلك، فلا حرج في وقف السبحة وإهداء ثواب إهدائها للحي، على القول بصحة إهداء الثواب للأحياء.
وأما أفضل عمل تجعلين ثوابه للأحياء؛ فهو: الدعاء الصالح، والاستغفار لهم؛ فقد روى الطبراني عن عبادة بن الصامت، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من استغفر للمؤمنين والمؤمنات؛ كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة. حسنه الألباني في الجامع.
والله أعلم.