الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيمكن أن يقال: إن الظاهر هو ما يُرَى عادة من الأذن، بخلاف ما استتر منها، وعليه؛ فإن التكلف في إيصال الماء إلى ما خفي منها ـ ولا سيما مع وجود الضرر كحال السائل ـ ليس بمطلوب، ولذلك نص بعض الفقهاء على أنه لا يجب مسح ما خفي من الأذن في الوضوء، قال ابن قدامة في المغني: وَلا يَجِبُ مَسْحُ مَا اسْتَتَرَ بِالْغَضَارِيفِ ـ يعني من صِمَاخَيْ الأُذُنِ ـ لأَنَّ الرَّأْسَ الَّذِي هُوَ الأَصْلُ لا يَجِبُ مَسْحُ مَا اسْتَتَرَ مِنْهُ بِالشَّعْرِ، وَالأُذُنُ أَوْلَى .اهـ.
وقال البهوتي في كشاف القناع: ولا يجب مسح ما استتر من الأذنين بالغضاريف، لأن الرأس الذي هو الأصل لا يجب مسح ما استتر منه بالشعر، فالأذن أولى، والغضروف داخل فوق الأذن أي أعلاها ومستدار سمعها. اهـ.
ويوضح هذا أن مذهب الشافعية الذي عرفنا من الأسئلة السابقة للسائل أنه درسه، ينص على أن وصول الماء إلى باطن الأذن يفطر الصائم، كما ذكر النووي في منهاج الطالبين في المفطرات: التقطير في باطن الأذن. اهـ.
والمقصود أن المبالغة في غسل تجويف الأذن تحصيلا لشرط الطهارة للصلاة، يوقع المرء في إشكال في باب الصيام، والحل هو عدم المبالغة والتكلف في ذلك، فيكتفي المرء بغسل ما يظهر من الأذن دون تعمق!
والذي نراه لمن كان في مثل حال السائل ممن أرهقته الوساوس، أن يأخذ بمذهب المالكية في المسألة محل السؤال، حيث لا يجب عندهم غسل صماخ الأذن أصلا، قال ابن الحاجب في جامع الأمهات: ولا تجب المضمضة ولا الاستنشاق ولا باطن الأذنين، كالوضوء، ويجب ظاهرهما، والباطن هنا الصماخ. اهـ.
وجاء في حاشية الدسوقي في بيان ما هو: ظَاهِرِ الْجَسَدِ، قال: وَلَيْسَ مِنْهُ الْفَمُ وَالْأَنْفُ وَصِمَاخُ الْأُذُنَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ. اهـ.
وقال زروق في شرح متن الرسالة: ويدخل في ذلك أشراف أذنيه لا صماخيه، لأن الأشراف من الظاهر، والصماخ باطن، لكنه سنة... وليحذر أن يصب الماء في أذنيه، لأن ذلك يورث الصمم، بل يجعله في كفه ثم يكفي أذنه على كفه ويتبع ذلك بيده دلكاً. اهـ.
فهذه طريقة عملية لتحصيل هذه السنة عند المالكية، ليس فيها تكلف، ثم ليعلم السائل أن ما يجب أن يصل إليه الماء في الطهارة، إنما يكفي فيه غلبة الظن، ولا يتكلف ليحصل اليقين، قال الحصكفي في الدر المختار: والمعتبر غلبة ظنه بالوصول. اهـ.
وهذا يعم جميع أجزاء البدن حتى الضيق منها والمتواري، كثقب الأذن، قال الشرنبلالي في مراقي الفلاح: والمعتبر غلبة الظن لإيصال الماء ثقبه، فلا يتكلف لإدخال عود في ثقب، للحرج. اهـ.
فليتق اللهَ السائلُ في نفسه ولا يكلفها العنت، فرفع الحرج مقصد من مقاصد التشريع، وقد رخص بعض الفقهاء في ما هو أشد مما يسأل عنه السائل، تخفيفا على الناس ورفعا للحرج، ومن ذلك ما ذكره الشرنبلالي فقال: ولا يمنع خرء البراغيث ونحوها، كونيم الذباب، وصول الماء إلى البدن، لنفوذه فيه لقلته وعدم لزوجته، ولا ما على ظفر الصباغ من صبغ، للضرورة، وعليه الفتوى. اهـ.
فلو أن السائل أزال ما يخرج من شمع الأذن إلى ظاهرها دون تكلف ولا تتبع، ثم أمرَّ الماء على ظاهر أذنه لكفاه ذلك.
وأما مسألة التفريق بين الوسخ الناشئ عن البدن وبين غيره، فقد سبق لنا التعرض لها في عدة فتاوى، منها الفتوى رقم: 209590، وتجد فيها الإشارة إلى مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية حيث يرى أن الحائل اليسير من أي شيء كان لا يضر في الطهارة، فيسعك الأخذ بهذا المذهب دفعا للوسواس ورفعا للحرج.
وانظر الفتوى رقم: 181305.
والله أعلم.