الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: ذكر حديث غريب يتعلق بقوله تعالى: قل كل من عند الله ـ قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا السكن بن سعيد، حدثنا عمر بن يونس، حدثنا إسماعيل بن حماد، عن مقاتل بن حيان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: كنا جلوسًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكر وعمر في قبيلتين من الناس، وقد ارتفعت أصواتهما، فجلس أبو بكر قريبًا من النبي صلى الله عليه وسلم، وجلس عمر قريبًا من أبي بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم ارتفعت أصواتكما؟ فقال رجل: يا رسول الله، قال أبو بكر: يا رسول الله، الحسنات من الله، والسيئات من أنفسنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما قلت يا عمر؟ فقال: قلت: الحسنات والسيئات من الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول من تكلم فيه جبريل وميكائيل، فقال ميكائيل مقالتك يا أبا بكر، وقال جبريل مقالتك يا عمر، فقال: نختلف، فيختلف أهل السماء، وإن يختلف أهل السماء، يختلف أهل الأرض، فتحاكما إلى إسرافيل، فقضى بينهم أن الحسنات والسيئات من الله، ثم أقبل على أبي بكر وعمر، فقال: احفظا قضائي بينكما، لو أراد الله أن لا يعصى لما خلق إبليس، قال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس ابن تيمية: هذا حديث موضوع مختلق باتفاق أهل المعرفة. اهـ.
ولا ريب في أن الحديث بهذا السياق بطوله باطل؛ ولذلك استغراب الحافظ ابن كثير، وحكم عليه شيخ الإسلام بالوضع! وقال الحافظ ابن حجر في مختصر زوائد البزار: هذا خبر منكر، وفي الإسناد ضعف. كذا في المطبوع.
ونقله السيوطي في اللآلئ المصنوعة بلفظ: هذا خبر منكر، وفي الإسناد ضعفاء. اهـ.
وسئل الحافظ أبو حاتم الرازي ـ كما في العلل لابنه ـ عن هذا الحديث من رواية ابن عمر فقال: هذا حديث منكر. اهـ.
وأورد ابن الجوزي في الموضوعات من حديث جابر، وقال: هذا حديث موضوع بلا شك. اهـ.
وقال الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال: خبر باطل. اهـ.
وأورده الشيخ مقبل الوادعي في كتابه: أحاديث معلة ظاهرها الصحة ـ ثم قال: واعلم أن الحديث جاء من طريق عبد الله بن عمر، ومن حديث عبد الله بن عمرو، ولا يصح منها شيء. اهـ.
وأما الشيخ الألباني فقال: مقاتل بن حيان ثقة من رجال مسلم، وهو غير مقاتل بن سليمان المفسر المتهم، ولعل شيخ الإسلام ابن تيمية توهم أنه هو راوي هذا الحديث، وإلا فلا وجه للحكم عليه بالوضع من حيث إسناده، فإنه ليس فيه متهم، ولا من حيث متنه، فإنه غير مستنكر.
والذي ذكره المترجمون في تلامذة عمرو بن شعيب إنما هو مقاتل بن سليمان المفسر، كما ذكروا عمرو بن شعيب في شيوخه، وأما مقاتل بن حيان النبطي، فلم يذكر في شيوخه عمرو بن شعيب، ولم يذكر هو في تلامذته! فالأقرب للصواب هو ما حكم به الحفاظ والأئمة من ضعف الحديث مرفوعًا، وإنما هو من كلام عمر بن عبد العزيز؛ ولذلك قال صاحب الصحيح المسند من أقوال الصحابة والتابعين: هذا إسناد ظاهره الصحة، لكنه مُعَلٌّ، فقد تقدَّم بهذا الإسناد موقوفًا على عمر بن عبد العزيز، ثم إن مقاتل بن حيان لا رواية له عن عمرو بن شعيب، فلعله أخطأ فيه بعض الرواة، فبدل أن يقول مقاتل بن سليمان، قال: مقاتل بن حيان. اهـ.
وقال محقق كتاب الشريعة للآجري الوليد بن محمد سيف النصر: القلب بعد هذا لا يطمئن لصحة الحديث، لا سيما مع حكم أبي حاتم عليه بالنكارة، وكذا ابن حجر، وحكم الذهبي عليه بالبطلان، وحكم شيخ الإسلام عليه بالوضع، وكذا ابن الجوزي، والسيوطي، وتضيف ابن قتيبة، وابن كثير، والشيخ مقبل، ومن قبله الهيثمي، والحديث صححه الشيخ الألباني في الصحيحة. اهـ.
والله أعلم.