الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقرء في كلام العرب يقع على الحيض والطهر معاً فهو من الأسماء المشتركة. قال ثعلب: القروء: الأوقات، الواحد قرء، وقد يكون حيضاً وقد يكون طهراً، لأن كل واحد منهما يأتي لوقت. جاء في التمهيد لابن عبد البر: « قال أبو العبّاسِ أحمدُ بن يحيى ثعلبٌ: القُرُوءُ: الأوقاتُ، والواحدُ قُرءٌ، وهُو الوقتُ، وقد يكونُ حيضًا، ويكونُ طُهرًا.
وقال الخليلُ: أقرأتِ المرأةُ، إذا دنا حَيْضُها، وأقرأتِ، إذا دنا طُهْرُها، فهي مُقْرِئٌ »
وفي الحديث: " دعي الصلاة أيام أقراتك" رواه الدارقطني في السنن. أي أيام حيضك.
وقال الأعشى:
وفي كلٍ أنت جاشمُ غزوةٍ … تَشُدَّ لأقصاها عزيمَ عزائكا
مورِّثةً مالاً، وفي الحي رفعةً … لما ضاع فيها من قروء نسائكا
فالمقصود بالقروء في هذا البيت هو: الأطهار كما هو واضح.
واختلف أهل العلم في المراد بالقروء في قوله تعالى: (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) [البقرة:228] فقال بعضهم: هو الحيضات وإليه ذهب أحمد وأصحاب الرأي وهو قول الخلفاء الأربعة وابن عباس وغيرهم.
وقال آخرون القروء: الطهر: وإليه ذهب الشافعي ومالك وأهل الحجاز وهو قول ابن عمر وعائشة والقاسم بن محمد وغيرهم.
والراجح أن القرء هنا هو الحيض لقوله صلى الله عليه وسلم: للمرأة المستحاضة " تدع الصلاة أيام أقرائها " رواه أصحاب السنن وغيرهم، وقوله لفاطمة بنت أبي حبيش: «فَانْظُرِي إِذَا أَتَى قَُرْؤُكِ، فَلَا تُصَلِّي، فَإِذَا مَرَّ الْقَُرْءُ فَتَطَهَّرِي، ثُمَّ صَلِّي مَا بَيْنَ الْقَُرْءِ إِلَى الْقَُرْءِ » رواه أحمد وغيره. وقوله صلى الله عليه وسلم "طلاق الأمة طليقتان وقرؤها حيضتان" رواه أبو داود وغيره. فالملحوظ في هذه الأحاديث الثلاثة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطلق القرء إلا على الحيض ومن قواعد الأصول أن اللفظ المشترك في اللغة يكون حقيقة لغوية في قسميه فإن تكرر من الشارع إطلاقه في واحد من استعماليه تكرراً ملحوظاً صار حقيقة شرعية فيه، وألفاظ الشارع تحمل على حقيقتها الشرعية -إن وجدت - ولا يعدل بها إلى الحقيقة اللغوية أو العرفية إلا عند انعدام الحقيقة الشرعية، ينضاف إلى هذا أن العدة تتعلق بخروج شيء تعلم به براءة الرحم فوجب أن تتعلق بالحيض كوضع الحمل، فتارة تحصل العدة بوضع الحمل وتارة تحصل بما ينافيه وهو الحيض.
والله تعالى أعلم.