الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالذي اشترطه أهل العلم لجواز السفر لبلاد الكفر، هو: أمن الفتنة، والقدرة على إظهار شعائر الدين.
وما نقله السائل يعتبر تفصيلًا لأمن الفتنة، فإن الفتنة لا تأتي إلا من شهوة، أو شبهة، فالأولى تستدفع بالمراقبة والإيمان، والثانية تستدفع بالعلم والبصيرة، قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: السفر إلى بلادهم مع قلة العلم، وقلة البصيرة، فيه ضرر كبير، وخطر عظيم؛ فإن الشرك بالله بينهم ظاهر، والمعاصي بينهم ظاهرة من الزنا، وشرب الخمور، وغير ذلك، فالسفر إلى بلادهم -ولا سيما مع قلة العلم، وقلة الرقيب- من أعظم الأسباب في الوقوع في الباطل، واتباع ما يدعو إليه الشيطان من الشبهات الباطلة، والشهوات المحرمة. اهـ. وراجع الفتويين: 216610، 118279.
ووصف العلم المعتبر هنا: يكون بحسب حال أهل البلد، وما يثار عندهم من شبهات، وأفكار منحرفة. وهذا يختلف من بلد لآخر! فالبلد الذي يكثر فيها النصارى، غير البلد الذي يكثر فيه الإلحاد، غير البلد الذي تكثر فيه الوثنية، فكل باب من هذه الأبواب يحتاج إلى علوم تناسبه.
وهنا يمكن الاعتداد بحصول العلم بالقوة لا بالفعل، ولا سيما في الأمور التفصيلية، ونعني بذلك أن تتوفر الأصول العلمية الإجمالية، مع وسائل تحصيل التفاصيل المحتاج إليها، من الكتب، أو غيرها من وسائل التعلم.
وقد عرَّف الأصوليون الفقيهَ في اصطلاح أهل الشرع بأنه: من عرف جملة غالبة من الأحكام الشرعية الفرعية بالفعل، أو بالقوة القريبة من الفعل. يعنون بذلك التهيؤ لمعرفتها (راجع في ذلك شرح الكوكب المنير لأبي البقاء الفتوحي).
والمقصود أن العلم والمعرفة الإجمالية، مع القدرة على تحصيل التفصيل المطلوب بحسب الحال، يكفي للنجاة من أثر الشبهات، لمن قوي إيمانه، وصحت عزيمته، وهذا يختلف من شخص لآخر، ومن حال آخر. والإنسان على نفسه بصيرة، فمتى أحس بالضعف العلمي والمعرفي عن مقاومة الشبهات، فقد فقد شرط: (أمن الفتنة).
والله أعلم.