الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليعلم أولا أن ترخص العاصي بسفره، محل خلاف بين العلماء، فأجازه الحنفية والظاهرية، ومنعه الجمهور.
وحجة الجمهور أن إباحة الترخص له إعانة على المعصية، فعلى القول بالإباحة، فلا إشكال، وعلى قول الجمهور بالمنع فإنه لو قصد معصية بسفره، وقصد معها أمرا آخر، لم يمنع ذلك كونه عاصيا بسفره، وامتنع عليه الترخص.
قال العبادي في حاشيته على التحفة: (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ: لَا يَتَرَخَّصُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ) يَدْخُلُ فِيهِ مَا لَوْ قَصَدَ بِسَفَرِهِ الْمَعْصِيَةَ وَغَيْرَهَا، كَأَنْ قَصَدَ بِهِ قَطْعَ الطَّرِيقِ، وَزِيَارَةَ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ عَاصِيًا بِسَفَرِه. انتهى.
وأما العاصي في سفره -وهو من عرضت له المعصية في السفر، ولم ينشئ السفر لأجلها- فهذا يترخص بلا إشكال.
قال في تحفة المحتاج في شرح المنهاج -وهومن كتب الشافعية-: أَمَّا الْعَاصِي فِي سَفَرِهِ، وَهُوَ مَنْ يَقْصِدُ سَفَرًا مُبَاحًا فَيَعْرِضُ لَهُ فِيهِ مَعْصِيَةٌ فَيَرْتَكِبُهَا، فَيَتَرَخَّصُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ تَرَخُّصِهِ مُبَاحٌ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا. انتهى.
والله أعلم.