الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعافيكما من كل داء وسحر.
ونوصيك بكثرة الالتجاء إلى الله تعالى ودعائه؛ فقد قال الله تعالى: وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ {الأنعام:17}.
وعليك أيضا بالاستمرار في الرقية الشرعية لك ولزوجتك، والمحافظة على الأذكار، وخاصة أذكار الصباح والمساء، فالذكر حصن من الشيطان وكيده.
وأما اتهامك لوالدتك، أو غيرها بأنها السبب في هذا السحر، فلا يجوز ما لم تكن هنالك بينة، ولو فرضنا أنه قد ثبت ذلك، فمن حقك مناصحتها، ولكن يجب أن يكون ذلك بالمعروف، فبين لها أن السحر من أكبر الكبائر، وأعظم الذنوب، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجْتَنِبُوا السّبْعَ الْمُوبِقَاتِ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ؛ وَمَا هُنّ؟ قَالَ: الشّرْكُ بِالله، وَالسّحْرُ، وَقَتْلُ النّفْسِ الّتِي حَرّمَ الله إِلاّ بِالْحَقّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلُ الرّبَا، وَالتّوَلّي يَوْمَ الزّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ.
ولكن ذلك لا يسوغ لك قطيعة والديك وعقوقهما، فقد أوصى الله عز وجل بالوالدين والإحسان إليهما في محكم كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ولو كانا كافرين، ومنع طاعتهما في المعاصي، فقال سبحانه وتعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا {العنكبوت:8}، وفي الآية الأخرى: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {لقمان:15}.
وجاء رجل للرسول صلى الله عليه وسلم فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي، قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من ؟ قال: أبوك. متفق عليه.
وروى ابن ماجه عن معاوية بن جاهمة السلمي -رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال:"ويحك، أحية أمك؟" قلت: نعم. قال: "ارجع فبرها" ثم أتيته من الجانب الآخر، فقلت: يا رسول الله، إني كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: "ويحك، أحية أمك؟ قلت: نعم، يا رسول الله. قال: "فارجع إليها فبرها" ثم أتيته من أمامه فقلت: يا رسول الله، إني كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: "ويحك، أحية أمك؟ قلت: نعم، يا رسول الله. قال: "ويحك، الزم رجلها، فثم الجنة".
ولا تجب عليك طاعتهما في إسكان الزوجة معهما، فحاول مناقشتهما بلطف، واذكر لهما أن الزوج يلزمه شرعاً أن يُسكن زوجته في مكان مستقل عن أهله.
فقد جاء في "الكتاب" وهو في الفقه الحنفي: وعليه أن يسكنها في دار منفردة ليس فيها أحد من أهله، إلا أن تختار ذلك، وإن كان له ولد من غيرها فليس له أن يسكنه معها. اهـ.
وقال خليل بن إسحاق المالكي: ولها الامتناع من أن تسكن مع أقاربه.
قال شارحه عليش: لتضررها باطلاعهم على أحوالها، وما تريد ستره عنهم، وإن لم يثبت إضرارهم بها. اهـ.
والله أعلم.