الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فشهادة الزور من أكبر الكبائر، ولا سيما إذا كان مع ذلك يمين غموس؛ ففي صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: «الإشراك بالله»، قال: ثم ماذا؟ قال: «ثم عقوق الوالدين»، قال: ثم ماذا؟ قال: «اليمين الغموس»، قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: «الذي يقتطع مال امرئ مسلم، هو فيها كاذب».
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: كَمَا أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ وَالْكَذِبَ حَرَامٌ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّوَصُّلَ إلَى حَقِّهِ. اهـ.
والواجب عليك المبادرة بالتوبة إلى الله من هذا الذنب العظيم، فاستغفر الله منه، واعزم على ألا تعود إليه.
وندمك دال على صدق توبتك، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، قال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طـه:82]، وقال: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222]، وقال: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
وادفع كفارة اليمين احتياطًا، فقد اختلف هل لليمين الغموس كفارة أو لا؟
قال ابن هبيرة: ثم اختلفوا في اليمين المغموس هل لها كفارة؟ فقال أبو حنيفة, ومالك, وأحمد في إحدى روايتيه: لا كفارة لها؛ لأنها أعظم من أن تكفر, وقال الشافعي, وأحمد في الرواية الأخرى: تكفر, واليمين المغموس هي الحلف بالله على أمر ماض متعمد الكذب فيه. اهـ.
وأما ما حكم به على من شهدت عليهما، فقد تنازل عنه صاحب المنزل، ولم يأخذ منهما شيئًا، فلا يلزمك شيء.
ولو استطعت التحلل منهما لشهادتك عليها زورًا، فافعل ذلك.
وإذا لم تستطع، فحسبك ما بيناه سابقًا من الاستغفار، والندم، والعزيمة على ألا تعود إلى ذلك.
والله أعلم.