الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فحق الوالدين عظيم، وقد أمرنا الله بمخاطبتهما بالأدب والرفق والتواضع والتوقير، ونهى عن زجرهما وإغلاظ القول لهما، فلا ريب في كون رفع الصوت على الوالدين ينافي برهما، قال تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء23 ،24]
قال القرطبي –رحمه الله- : (وقل لهما قولا كريما ) أي لينا لطيفا مثل : يا أبتاه ويا أمّاه من غير أن يسميهما ويكنيهما، قال عطاء: وقال ابن البداح التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب: كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله: وقل لهما قولا كريما ما هذا القول الكريم؟ قال بن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ. الجامع لأحكام القرآن - (10 / 243)
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: ومن هذه الآية الكريمة تعلم أنه لا يجوز رفع الصوت عليهما، بل يجب التأدب معهما وخفض الجناح لهما. اهـ
والواجب عليك طاعة والديك في المعروف، فإذا أمراك بما لا يخالف الشرع، ولا ضرر عليك فيه وجب عليك طاعتهما؛ حتى ولو كان عليك فيه مشقة، قال ابن تيمية –رحمه الله- : وَيَلْزَمُ الْإِنْسَانَ طَاعَةُ وَالِدِيهِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ أَحْمَدَ، وَهَذَا فِيمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَضُرَّهُ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا. اهـ الفتاوى الكبرى - (5 / 381) وراجعي حدود طاعة الوالدين في الفتوى رقم: 76303.
فإذا أمرتك أمّك بتوصيلها لزيارة جدك فواجب عليك طاعتها حتى ولو كان ذلك يشق عليك ما دمت لا تتضررين، فإن كان عليك ضرر في بعض الأحوال، فلا تجب عليك الطاعة حينئذ، لكن عليك أن تعتذري لهما برفق وأدب. ومما يعينك على ذلك أن تستحضري الأجر العظيم والفضل الكبير في برّ الوالدين، فإنّه من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله، ففي الأدب المفرد للبخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قَالَ: رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ الرب في سخط الوالد.
وعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب أو احفظه. رواه ابن ماجه والترمذي.
قال المباركفوري رحمه الله: قَالَ الْقَاضِي: أَيْ خَيْرُ الْأَبْوَابِ وَأَعْلَاهَا، وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ. اهـ تحفة الأحوذي (6/ 21)
والله أعلم.