الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما جواب هذه الشبهة فمن أيسر ما يكون، فإن لله تعالى أن يختص ما شاء من مخلوقاته، بما شاء من الميزات؛ لما يعلمه تبارك وتعالى من الحكم. قال تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ {القصص:68}.
قال ابن القيم رحمه الله: فكما أنه المنفرد بالخلق وحده، فهو الْمُنْفَرِدُ بِالِاخْتِيَارِ مِنْهُ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْلُقَ، وَلَا أَنْ يَخْتَارَ سِوَاهُ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِمَوَاقِعِ اخْتِيَارِهِ، وَمَحَالِّ رِضَاهُ، وَمَا يَصْلُحُ لِلِاخْتِيَارِ مِمَّا لَا يَصْلُحُ لَهُ، وَغَيْرُهُ لَا يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ. انتهى.
فكما اختص بعض خلقه بأن جعلهم رسلا وأنبياء، واختص بعض بقاع الأرض بما شرفها به من الكرامة، وجعل المساجد الفاضلة فيها، فقد اختص كذلك بعض الأزمان بأن جعلها أزمانا شريفة فاضلة؛ ليقبل عباده عليه فيها، ويتزودوا من صنوف الخير ما وسعهم، ومن ذلك جعله أوقاتا معينة لإجابة الدعاء، ولا يعني هذا أن الدعاء لا يجاب في غيرها، بل الدعاء يجاب لمن دعا صادقا مخلصا في كل وقت، ولكن هذه الأوقات كثلث الليل الآخر، وساعة الإجابة يوم الجمعة ونحو ذلك، أرجى في الإجابة، وإنما جعلها الله كذلك ليتنافس العباد في الاجتهاد في الطاعة فيها، وأهل الإيمان يرون في هذا التخصيص والتفضيل دليلا على وحدانية الله وتفرده بالخلق والأمر.
يقول ابن القيم رحمه الله: وَإِذَا تَأَمَّلْتَ أَحْوَالَ هَذَا الْخَلْقِ، رَأَيْتَ هَذَا الِاخْتِيَارَ وَالتَّخْصِيصَ فِيهِ دَالًّا عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ تَعَالَى وَوَحْدَانِيَّتِهِ، وَكَمَالِ حِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَأَنَّهُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَلَا شَرِيكَ لَهُ يَخْلُقُ كَخَلْقِهِ، وَيَخْتَارُ كَاخْتِيَارِهِ، وَيُدَبِّرُ كَتَدْبِيرِهِ، فَهَذَا الِاخْتِيَارُ وَالتَّدْبِيرُ وَالتَّخْصِيصُ الْمَشْهُودُ أَثَرُهُ فِي هَذَا الْعَالَمِ مِنْ أَعْظَمِ آيَاتِ رُبُوبِيَّتِهِ، وَأَكْبَرِ شَوَاهِدِ وَحْدَانِيَّتِهِ، وَصِفَاتِ كَمَالِهِ، وَصِدْقِ رُسُلِهِ. انتهى.
وأما كون الأوقات في بقاع الأرض تختلف، فإن المطلوب من كل مسلم حيث هو، أن يجتهد في طاعة الله، ويكثر من دعائه في الوقت الذي بيَّن الله تعالى أن الدعاء يستجاب فيه، في المكان الذي هو فيه، وهذا بين واضح لمن له مسكة من إيمان، ومن أشكل عليه من ذلك شيء، فليقرأ قول الله تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23}.
وأما هؤلاء الملاحدة، فغرضهم التشغيب، والنيل من الدين وأهله، وليس غرضهم الاهتداء وتلمس الحكم، ومن ثم فإنهم إن يروا كل آية لا يؤمنوا بها إلا أن يشاء الله تعالى.
ونحن ننصحك وغيرك بعدم التصدي لمجادلتهم ومناقشتهم، ما لم تكن متسلحا بسلاح العلم الذي تقدر به على دفع شبهاتهم، ودحض باطلهم، وإلا نالتك سموم شبهاتهم.
والله أعلم.