الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنا لا نعلم في كتب الفقهاء شيئا تطهر به النجاسات اسمه التقادم، وقد أوصل ابن الشحنة -وهو من فقهاء الحنفية- مطهرات النجاسة إلى ثلاثة وعشرين مطهرا ولم يذكر التقادم إلا أن الفقهاء ذكروا طهارة الماء الكثير المتغير بالنجاسة إذا زال تغيره بالمكث، فقد ذهب الجمهور من الشافعية والحنابلة وبعض المالكية إلى أن الماء الكثير المتغير بالنجاسة يطهر إذا زال تغيره بطول المكث، وقد رجح هذا المذهب النووي وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن قدامة، وعلله الشيرازي في المهذب بأن سبب النجاسة التغير، وقد زال، وقد ذهب الحنفية والشافعية في القديم وبعض الحنابلة إلى طهارة الأرض بالجفاف، وهو زوال نداوة الأرض بالشمس وغيرها مع ذهاب الريح، وقد روي في هذا القول آثار عن السلف، فقد روى البيهقي وابن أبي شيبة عن أبي قلابة أنه قال: زكاة الأرض يبسها، ورواه ابن أبي شيبة عن الباقر وابن الحنفية والحسن البصري بمعناه، وقد بوب الإمام أبو داود في سننه، فقال: باب في طهور الأرض إذا يبست، وأسند فيه إلى ابن عمر قوله: كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك، وقد روى الحديث البخاري أيضا، ووجه الاستدلال بالحديث -كما ذكر أبو الطيب الأبادي في عون المعبود، والمباركفوري في تحفة الأحوذي- أن عدم الرش بالماء يفيد طهارة الأرض بالجفاف، وقد مال شيخ الإسلام ابن تيمية إلى ترجيح هذا القول، ومال إليه كذلك المباركفوري والأبادي ، وقد خالف الجمهور فأوجبوا طهارة الأرض بصب الماء عليها، واستدلوا بحديث البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: : جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه ، وأجابوا عن استدلال أبي داود بأن ابن عمر لم يصرح بأنه شاهد الكلاب تبول في المسجد، وقال المنذري : إنها كانت تبول خارج المسجد ثم تقبل وتدبر في المسجد ، وأجاب بعضهم بأن بعض نسخ البخاري لا توجد فيها كلمة تبول، قاله البيهقي، وقد رجح النووي وابن قدامة مذهب الجمهور، هذا ولم نطلع على تحديد زمني لمدة مكث الماء ولا مدة جفاف الأرض، وراجع الفتويين : 29899، 25753.
والله أعلم.