الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فلا شك أن ما ذكره صاحب الكتاب عن نبي الله يعقوب، يجمع بين سوءِ الأدبٍ مع ذاك النبي الكريم، وبين سوء الفهم والتحليل لقصته، ولشخصيته -عليه السلام-.
فنهيُه لابنه يوسف عن أن يقص الرؤيا على إخوانه، وخوفُه من إرساله معهم حين طلبوا ذلك، ليس دافعه القلق والشك، كما زعم ذلك الكاتب، وإنما دافعه علمُه بمكايد الشيطان، وما قد يقذفه في قلوب إخوانه تجاهه، إن سمعوا تلك الرؤيا، وعلموا تأويلها؛ ولهذا جاء في تمام الآية: إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ {يوسف:5}.
وقد دلت أحداث القصة بعد ذلك على صدق ما كان يخافه، ويظنه فيهم.
وكذا حين أمر أولاده أن يدخلوا متفرقين لا مجتمعين، كان الدافع علمه بأن العين حق، وليس مجرد الشك.
ثم إن الشك الذي يقوم بسبب قرائن قويةٍ، ويحتاط به صاحبُه، هذا ليس مذمومًا، بل هو من الحزم المحمود، الذي يدل على الفطنة، بخلاف الغبي الذي ربما قامت أمامه براهين الشر، ثم لا ينتبه حتى يصفعه، فالأمر ليس كما قال ذلك الكاتب عن نبي الله يعقوب بأن شخصيته قلقة شكاكة، وإنما كما قال الله تعالى في وصفه -عليه السلام-: وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ {يوسف:68}.
ولذا؛ فإننا لا ننصح بقراءة ذلك الكتاب، بل ينبغي التحذير منه، وما فيه من خير يمكن أن يُسْتَغْنى عنه بما في الكتب الأخرى التي تناولت قصة يوسف خاليةٍ من تلك الإساءة في الأدب والتحليل.
فإن أمكنك نصح صديقاتك بعدم قراءته، فذاك، وإلا فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، واحرصي مستقبلًا على أن تكون نصيحتُك لغيرك بقراءة كتاب، أو غير ذلك، نصيحةً مبنية على علم بالمنصوح به.
والله تعالى أعلم.