الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولًا أن نسبة ولد الزنى إلى الزاني، محل خلاف بين الفقهاء، وسبق بيانه في الفتوى رقم: 6045.
وما ذكرته من استشكال إنما يرد على مذهب الجمهور، ولهم فيما ذهبوا إليه مستندهم، ومن ذلك الحديث الذي رواه البخاري، ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الولد للفراش، وللعاهر الحجر. أي: له الخيبة، ولا حق له في الولد.
وعادة العرب أن تقول: له الحجر، وبفيه الأثلب، وهو التراب، ونحو ذلك، يريدون ليس له إلا الخيبة. وقيل: المراد بالحجر هنا أنه يرجم بالحجارة، وهذا ضعيف؛ لأنه ليس كل زان يرجم، وإنما يرجم المحصن خاصة، ولأنه لا يلزم من رجمه نفي الولد عنه، والحديث إنما ورد في نفي الولد عنه.
ومما استدلوا به أيضًا في القول بعدم نسبة ولد الزنى إلى الزاني ـ رغم كونه مخلوقًا من مائه- هو أن الزنى سبب محرم، فلا يتوصل به إلى النسب، قال في القرافي: وَالسَّبَبُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ صَاحِبُ الشَّرْعِ يَكُونُ كَالْمَعْدُومِ شَرْعًا، وَالْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا، فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ. اهـ.
وذكروا أيضًا أن النسب يقصد به شرف الانتساب إلى الآباء، وذلك غير متحقق في حال الزنى، جاء في كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي: وإنما لم يثبت النسب من جانبه؛ لأن المقصود من الانتساب التشرف، ولا يحصل ذلك بالنسبة إلى الزاني. اهـ.
وأما الصورة الثانية والمتعلقة بمن طلق زوجته ثلاثًا، وزنى بها بعد ذلك، وكانت حاملًا قبل الطلاق، فلا ندري أين وجدت أن هذا يعتبر ولد زنى؟!! فكما يقولون: اثبت العرش ثم انقش.
ثم إنه ينبغي التنبه إلى أمر الأدب مع العلماء، فهم يجتهدون فيما يذهبون إليه، فلو قدر أن اطلع طالب العلم منهم على خطأ، فليلتمس لهم العذر، وليتأدب معهم، لا أن يصف كلامهم بشيء من الألفاظ الشنيعة.
والله أعلم.