الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز اتهام المسلم -أحرى إذا كان والدًا- بتعاطي السحر، والتعامل به، إلا إذا كان الشخص عنده بينة ساطعة، وبرهان قاطع، فإن تعاطي السحر والتعامل به، من كبائر الذنوب، ومن السبع الموبقات، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات. متفق عليه.
وأما مال والدك الذي يصرف عليكم منه، فإذا كنت على يقين أن ما يعالج به سحر، وليس من أنواع الرقى المشروعة، وكان جميع ماله من العلاج بالسحر، فهو مال محرم، لا يجوز لكم الانتفاع به، إلا في حال الضرورة. وأما إن كان مختلطًا من مكاسب محرمة، وغيرها، فيجوز لكم الانتفاع به، ما لم تعلموا أنه عين المال المحرم، مع كراهة ذلك.
وأما ترك المنزل: فلا نشجعك عليه، بل نحثك على البقاء، والبر بوالديك، وحسن معاملتهم، وأن تحث باقي أفراد أسرتك على أن يعاونوك في تغيير هذا المنكر، واجتهد في دراستك؛ حتى لا تتضرر بانقطاعك عنها؛ مما قد يجعل والدك يتمسك بما هو عليه من الباطل.
فعليك أن تجتهد في نصيحة والدك، وتبين له خطورة ما هو عليه من ممارسة السحر، واستعن في ذلك بمن له مكانة عنده من أهلك، ومن أهل العلم بالقرب منكم، واصبر على ذلك، فإنه من أعظم البر بوالدك، وننصحك أن توجهه، وتعينه أن يكتفي بالرقية الشرعية، والمعالجة بالقرآن الكريم، وما ثبت بصحيح السنة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {يونس:57}، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة على أخذ الأجرة على الرقية، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، قال: كنا في مسير لنا، فنزلنا، فجاءت جارية، فقالت: إن سيد الحي سليم، وإن نفرنا غيب، فهل منكم راق؟ فقام معها رجل ما كنا نأبِنه برقية، فرقاه، فبرأ، فأمر له بثلاثين شاة، وسقانا لبنًا، فلما رجع قلنا له: أكنت تحسن رقية -أو كنت ترقي؟- قال: لا، ما رقيت إلا بأم الكتاب، قلنا: لا تحدثوا شيئًا حتى نأتي -أو نسأل- النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: وما كان يدريه أنها رقية؟ اقسموا، واضربوا لي بسهم. متفق عليه. وراجع لمزيد فائدة الفتوى رقم: 150797.
والله أعلم.