الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يغفر ذنبك، وأن يلهمك رشدك، وأن يقيك شر نفسك.
وأما جواب ما سألت عنه:
فما يتعلق بك، وحكم هذا المال الذي جمعته: فإن مردّ ذلك إلى حال باذله، وما حمله على بذله، والقاعدة في ذلك هي مراعاة قصده وظنه، فمن أعطاك لظنه أنك محتاج، والحقيقة أنك لست كذلك، فلا يحل لك قبوله، فإن قبلته، لم تملكه، بل يجب عليك رده إليه، قال البرماوي الشافعي: من أعطي على ظن صفة، وهو في الباطن بخلافها، ولو علم لم يعط، لا يملك ما يأخذه، ويجري ذلك في سائر عقود التبرع. اهـ. نقله البجيرمي في حاشيته على شرح المنهج.
وقال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج: حيث حرم الأخذ لم يملك ما أخذه؛ لأن مالكه، لم يرض ببذله له. اهـ.
قال الشبراملسي في حاشيته عليه: لأنه قبضه من غير رضى من صاحبه؛ إذ لم يسمح له إلا عن ظن الفاقة. اهـ.
وقال ابن قاسم العبادي في حاشيته: وقضيته أنه لو أعطى غنيًّا يظنه فقيرًا، ولو علم غناه لم يعطه، لم يملك ما أعطاه ... وإن لم يظهر الفاقة يملك، إلا أن يكون المتصدق لو علم الحال لم يعطه. اهـ.
وقال الدمياطي في إعانة الطالبين: يحرم عليه أخذها إن أظهر الفاقة، كأن يقول ليس: عندي شيء. وعليه حملوا خبر الذي مات من أهل الصفة، وترك دينارين، فقال صلى الله عليه وسلم: "كيتان من نار". وروى أبو داود: "من سأل وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من النار". اهـ.
فإن تعذر رده إلى مالكه، تصدقت به عنه.
وإن كنت حينئذ فقيرًا، فلك الأخذ منه بقدر حاجتك، وحاجة عيالك؛ أسوة ببقية الفقراء، قال النووي نقلًا عن الغزالي في معرض كلامه عن المال الحرام، والتوبة منه: وله أن يتصدق به على نفسه وعياله، إذا كان فقيرًا؛ لأن عياله إذا كانوا فقراء، فالوصف موجود فيهم، بل هم أول من يتصدق عليه اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 333466.
وأما ما يتعلق بغيرك ممن دللتهم على هذه الطريقة المذمومة في سؤال الناس: فلا يلزمك إلا نصحهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، فإن استجابوا وتابوا، فالحمد لله، وإلا فقد فعلت ما يلزمك.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 142149.
والله أعلم.