الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر لك تواصلك معنا، ومثل هذا السؤال لا يصلح أن يجاب عنه في فتوى عابرة، بل حقه أن يبحث في مصنفات مفردة، ورسائل علمية، وهناك دراسات عديدة منشورة عن الواحدي، وعن تفسيره البسيط، وأنت لو اطلعت على طبعة الكتاب التي ذكرتها في سؤالك، لرأيت في مقدمتها كلامًا وافيًا في التعريف بمؤلف الكتاب، والتعريف بالكتاب، وبيان قيمته العلمية بما يغني عن تكلف السؤال حوله!.
وحسبنا أن ننقل لك تلخيصًا لمزايا كتاب البسيط، وبعض المؤاخذات عليه بشكل مختصر من مقدمة تحقيق الكتاب المطبوع عن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فقد جاء فيه: يحتل تفسير "البسيط" مكانة علمية عالية في المكتبة القرآنية، ويعتبر مرجعًا هامًّا للمتخصصين في التفسير.
على أن الكتاب لا يستطيع الإفادة منه إلا العلماء، وطلبة العلم الذين تكونت لديهم الملكة التي تعينهم على فهم بحوثه اللغوية، والنحوية العميقة.
أما عامة القراء فهم مع هذا الكتاب كما وصفهم الواحدي "كمحاول غلقًا ضاع منه المفتاح".
تلك المكانة تعود إلى الأمور الآتية:
أولًا: ما حواه الكتاب من ثراء علمي، خصوصًا في مجال اللغة، والنحو، حيث انطلق الواحدي في كتابه واضعًا نصب عينيه أن اللغة، والنحو، والأدب ركائز أساسية لتفسير كتاب الله، فبعد أن تضلع من تلك الركائز، راح يسخرها لخدمة التفسير؛ وذلك بإيضاح اللفظة القرآنية، وبيان أصلها، وذكر الشواهد على ذلك، كما ربط الوجه التفسيري بالإعراب، وذكر الأوجه البلاغية في النظم القرآني، فخرج الكتاب موسوعة جمعت التفسير مع فروع اللغة، وسخرت الثاني لخدمة الأول، صحيح أن الواحدي انساق وراء بعض تلك المسائل إلى حد يعتبر خروجًا عن مجال التفسير، ومع ذلك يبقى الكتاب ذا عطاء سيال في مجال التفسير بالدراية الذي يعتمد اللغة، والنحو من الأسس لفهم النص القرآني.
ثانيًا: عنايته بالفوائد، والنكات التفسيرية، وهذا من الجوانب الهامة، خصوصًا إذا ارتبط ذلك بحسن العرض، وجمال الأسلوب، كما هو الحال في تفسير الواحدي، فكثيرًا ما يتصيد تلك الفوائد فيوردها، وربما ذكرها على صيغة سؤال، أو إشكال، فيجيب عنه بما يشفي، ويقنع.
ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره عند تفسير قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:9]، قال: وقوله في وصف الكافرين: "لا يشعرون" أبلغ في الذم من وصفهم بأنهم لا يعلمون؛ لأن البهيمة قد تشعر من حيث تحس، فكأنهم وصفوا بنهاية الذهاب عن الفهم ...
وعند تفسير قوله تعالى: {أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ} [البقرة:13]، قال: فإن قيل: كيف يصح النفاق مع المجاهرة بقولهم: {أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ}؟
قيل: إنهم كانوا يظهرون هذا القول فيما بينهم، لا عند المؤمنين؛ لأن الله تعالى قد قال: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} [البقرة:14]، أو أنهم لم يفصحوا بهذا القول، وإنما أتوا بما يفهم عنهم بالمعنى، ولا يقوم به حجة توجب الحكم من جهة المشاهدة.
ثالثًا: يعتبر تفسير "البسيط" مرجعًا هامًّا لنصوص كثيرة من كتب مفقودة، حيث اعتمد الواحدي على مصادر عدة، ونقل عنها كثيرًا.
المآخذ على تفسير البسيط:
ومع هذه المكانة التي رأيناها لتفسير الواحدي "البسيط"، فإنه لا يخلو من بعض الملحوظات، وهي:
أولًا: آراؤه في قضايا العقيدة التي سلك فيها نهج المتكلمين من الأشاعرة، وخالف فيها طريقة السلف، وقد سار على هذا النهج في جميع مباحث العقيدة التي تكلم عنها في مسائل التوحيد، والإيمان، والصفات، وغيرها.
وهذا المأخذ قد سجله عليه شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال: والواحدي صاحبه، كان أبصر منه بالعربية، ولكن أبعد عن السلامة، واتباع السلف.
ثانيًا: وجود بعض الإسرائيليات، التي هي داء أكثر كتب التفسير، وقع فيها الواحدي متأثرًا بشيخه الثعلبي، وروايته لها كانت سببًا في توجيه النقد له من بعض العلماء.
ثالثًا: الإطالة والاستطراد في بعض المباحث اللغوية، والنحوية التي لا علاقة لها بالتفسير، وهذا يحمل الكتاب مسائل تبعده عن موضوعه الأصلي وهو تفسير كتاب الله، وتجلب الملل للقارئ.
رابعًا: كثرة النقول من الجوانب الواضحة في كتاب "البسيط"، ومنها نقول كثيرة لم يعزها، ويجاب عن ذلك بأن هذا نهج متبع عند العلماء الأوائل، ولا ينكر بعضهم على بعض فيه. اهـ.
وترى في خضم هذا النقل أن لا يصلح لعامة القراء غير المتخصصين في العلوم الشرعية.