الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاستعمال المرأة للشعر المستعار المسمى بالباروكة: محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من منعه مطلقا، ومنهم من أباحه مطلقا، ولم يعدَّه من الوصل المحرم، ومنهم من فصل، ففرَّق بين حال الحاجة وعلاج العيب، وبين مجرد التجمل، كما سبق أن بيناه في الفتوى رقم: 144397.
فإذا كان هذا في حال المرأة مع شدة حاجتها إلى الزينة، فما بالنا بالرجل؟! وقد نقلنا أقوال أهل العلم في هذه المسألة في عدة فتاوى سابقة.
وممن قال بالتحريم الشيخ صالح الفوزان فقد سئل عن حكم لبس الباروكة للرجال والنساء، فقال: أما الرجل فلا يجوز له ذلك بحال من الأحوال، قد يجوز للمرأة مثلاً إذا كانت ليس لها شعر أصلاً، كأن لم ينبت لها شعر أن تلبس الباروكة؛ لأنها أصبحت مضطرة لذلك، ومحتاجة لذلك، أما الرجل فإنه لا يجوز أن يلبس الباروكة بحال. اهـ.
والفرق بين الرجل والمرأة في الحاجة إلى الزينة واضح. هذا؛ مع كون الصلع في الرجال ليس بالأمر القليل ولا بالمستهجن! وقد كان الخلفاء الراشدون الأربعة كلهم صلعا؛ إلا أبا بكر رضي الله عنهم جميعا.
وقد كان الصلع في الرجال مما يتمادح به، ويعد من أمارات السيادة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 379321. ولذلك لا يصح أن يقاس الصلع على الأنف المقطوع، فهذا عيب مشين ونادر ومؤذٍ. ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم عرفجة بن أسعد - وكان قد قطع أنفه يوم الكُلاب، فاتخذ أنفاً من فضة فأنتن عليه - فأمره صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفاً من ذهب. رواه الترمذي وحسنه، وأبو داود والنسائي وأحمد، وحسنه الألباني. فلم يرخص صلى الله عليه وسلم له فقط في الاتخاذ، بل رخص له في الذهب مع حرمته على الرجال؛ لمكان الحاجة.
قال الخطابي في معالم السنن: فيه إباحة استعمال اليسير من الذهب للرجال عند الضرورة كربط الأسنان به، وما جرى مجراه مما لا يجري غيره فيه مجراه. اهـ.
وقال العيني في نخب الأفكار: وكذا لو جُدِعَ أنفه فاتخذ أنفا من ذهب لا يكره بالاتفاق؛ لأن الأنف تنتن بالفضة، فلا بد من اتخاذه بالذهب، فكان فيه ضرورة، فسقط اعتبار حرمته. اهـ.
والحاصل أن حكم هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم.
والذي ننصح به الأخ الكريم هو أن لا يضع شعرا مستعارا خروجا من الخلاف، وأن لا يعطي موضوع الصلع أكثر من حجمه الحقيقي، وليعلم أن التأذي الذي يشكو منه لا يقتصر علاجه على لبس الباروكة، فإنه لو تشاغل عنه، وقدر الأمر قدره الحقيقي، لَمَا كانت مشكلته بالحجم الذي يصفه، فإن الصلع - كما سبقت الإشارة إليه – ليس بقليل في الرجال، ولا يعتبر من العيوب المشينة، بل كان العرب يعدون الصلع من أمارات السيادة؛ كما سبقت الإشارة إلى ذلك في الفتوى المحال إليها.
والله أعلم.