الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث قد أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-، ومعنى قوله: فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة. أي: المواظبة على تلاوتها، وتدبر معانيها، وهذا يعم جميع السورة، لا بعضها، قال القاري -رحمه الله-: وَأَفْرَدَ ثَالِثًا الْبَقَرَةَ، وَأَنَاطَ بِهَا أُمُورًا ثَلَاثَةً، حَيْثُ قَالَ: (فَإِنَّ أَخْذَهَا)، أَيِ: الْمُوَاظَبَةُ عَلَى تِلَاوَتِهَا، وَالتَّدَبُّرِ فِي مَعَانِيهَا، وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهَا (بَرَكَةٌ)، أَيْ: مَنْفَعَةٌ عَظِيمَةٌ، (وَتَرْكَهَا) بِالنَّصْبِ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ، أَيْ: تَرْكُهَا وَأَمْثَالُهَا (حَسْرَةً)، أَيْ: نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا وَرَدَ: "«لَيْسَ يَتَحَسَّرُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَّا عَلَى سَاعَةٍ مَرَّتْ بِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهَا»"، (وَلَا يَسْتَطِيعُهَا) بِالتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِيرِ، أَيْ: لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهَا (الْبَطَلَةُ)، أَيْ: أَصْحَابُ الْبَطَالَةِ وَالْكَسَالَةِ لِطُولِهَا، وَقِيلَ: أَيِ السَّحَرَةُ؛ لِأَنَّ مَا يَأْتُونَ بِهِ بَاطِلٌ، سَمَّاهُمْ بِاسْمِ فِعْلِهِمُ الْبَاطِلِ، أَيْ: لَا يُؤَهَّلُونَ لِذَلِكَ، أَوْ لَا يُوَفَّقُونَ لَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ: لَا تَقْدِرُ عَلَى إِبْطَالِهَا، أَوْ عَلَى صَاحِبِهَا السَّحَرَةُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهَا: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:102] الْآيَةَ. انتهى.
وفي تلاوة بعض السورة خير كثير، والله لا يضيع أجر المحسنين، لكن الظاهر أن هذا الأجر الموعود في الحديث إنما يناله من واظب على أخذ السورة بتمامها.
والله أعلم.