الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على حرصك على البر بأمك ومساعدتها، فنسأله سبحانه أن يتقبل منك ذلك، وأن يوفقك إلى مزيد البر بها ويكسبك رضاها، ففي رضاها رضا الله تعالى، روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد.
ولم يظهر لنا فيما ذكرت أنك عققت أمك، ومهما أمكنك زيارتها وزيارة خالاتك فافعل حسب وسعك، فقد قال تعالى: وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا {المؤمنون:62}.
وما حصل لك من خسائر مالية لا يلزم أن تكون بسبب ذنب، أو بسبب عدم إخبارك أمك بأمر هذه التجارة، بل قد يكون الأمر مجرد ابتلاء، فإذا صبرت عليه رفع لك به الدرجات، وكفر عنك الذنوب والسيئات، وانظر في فضل الصبر على البلاء الفتوى رقم: 18103. وقد ضمنا الفتوى رقم: 298180. بعض أسباب البركة في الرزق.
وإن كانت أمك تفشي أسرارك للآخرين فلا شك في أنها مسيئة بذلك، فإفشاء الأسرار منهي عنه شرعا، ويحرم فيما يمكن أن يلحق منه ضرر، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 118746. ولا حرج عليك في كتمان أسرارك عنها، فلست مكلفا بإخبارها عنها. والكتمان قد يكون أحيانا أفضل، بل قد يكون سببا للتوفيق، روى الطبراني - وصححه الألباني - عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان؛ فإن كل ذي نعمة محسود.
وكونها تعتب عليك في عدم زيارتك لها بصورة متقاربة، أو قلة زياراتك لخالاتك، فهذا أمر طبيعي، فلا تقلق من هذا العتاب، فقلب الأم يظل متعلقا بولدها مهما تقدمت به السن، وربما تخشى أن يأتي شيء من اللوم تجاهك من خالاتك، أو سمعت شيئا من ذلك، فافعل ما استطعت من أمر الزيارة، واعمل على مداراة أمك والتلطف بها، وكسب رضاها قدر الإمكان، فأحسن إليها، وأحسن إلى خالاتك بما استطعت، فبذلك قد تملك القلب، ويلتمس لك العذر، فالإحسان له مفعوله في القلوب. وقد أحسن الشاعر الحكيم حين قال:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم * فلطالما استعبد الإنسان إحسان
ونرجو أن تستفيد من بعض فتاوانا، فراجع منها الفتوى رقم: 76303، والفتوى رقم: 354847.
والله أعلم.