الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاعلمي -وفقك الله- أن المؤمن يعيش في هذه الدنيا لغاية كبرى، وهي عبادة الله وحده، والسعي إلى مرضاته سبحانه، وكل لذته وغايته هي أن يتحقق مقصوده من رضى ربه جل وعلا، وأكبر همه أن ينال جنة الله التي عرضها السماوات والأرض.
فالمؤمن قد جعل الهموم كلها همًّا واحدًا، ثم هو مسلّم لحكم الله، راضٍ بقضاء الله، وهو كذلك يعلم أن الله أعلم بمصلحته من نفسه، وأن الله قد يقدر له ما فيه البلاء والشر الظاهر؛ لما في ضمن ذلك من الخير العظيم، والمصلحة الكبيرة، ثم هو مع ذلك كله يجتهد في دعاء الله تعالى، مفوّضًا أموره كلها إليه، ويتهم نفسه دائمًا بالتقصير، وينسب إليها الخلل، ويعلم أنه أتي من قبلها لا من قبل ربه تعالى، الذي منه الخير، والرحمة.
فإذا حضرت في قلبك هذه المعاني، فعليك أن تجتهدي في طاعة ربك لغاية واحدة، هي مرضاته سبحانه، وثقي أنك ستنالين لذة العبادة، وتشعرين بأنس الطاعة؛ مما قد ينسيك أمور الدنيا، وهمومها، وشواغلها، وهذه اللذة بالطاعة لا تنال إلا بالعبور على جسر المجاهدة، كما أوضحنا ذلك في الفتوى ذات الرقم: 139680.
ومع ذلك فارضي بقضاء الله، واستسلمي لحكمه، واجتهدي في دعائه، مع الأخذ بأسباب تغيير الحال إلى ما تحبين، ووطّني نفسك على الرضى بجميع أقضية الرب سبحانه، عالمة أن قضاءه كله خير ورحمة، وحكمة ومصلحة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
والله أعلم.