الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في هذا العمل أنه مباح. فإذا تبين أن طلبا معينا يراد توصيله يحتوي على طعام محرم، فهذا هو الذي يجب تركه، ولا يعين على أكل الحرام بتوصيله لطالبه. فإن تمكن السائل من فعل ذلك، فلا حرج عليه في عمله، سواء أكان مضطرا أو غير مضطر.
وأما إن لم يمكنه العمل إلا بتوصيل جميع الطلبات ما يحلُّ منها وما يحرم، فيجب عليه ترك هذا العمل، وليبحث عن غيره مما يفي بحاجته. فإن لم يجد وكان مضطرا له، فيبقى فيه إلى أن تزول ضرورته. وليتخلص من أجرته بقدر نسبة الطلبات المحرمة بإعطائها للفقراء ونحو ذلك، اللهم إلا إن كان هو نفسه محتاجا إلى هذه النسبة، فله أن يسد بها ضرورته؛ أسوة ببقية الفقراء. وراجع في ذلك الفتوى: 129755.
ويبقى النظر في وجود الدين على الإنسان، هل يلحقه بالمضطرين أم لا؟ فهذا يختلف حكمه بحسب الحال، فإن حصلت الضرورة أو الحاجة الماسة بسبب الدين: اعتُبر، وإلا فلا. ومثال الضرورة: أن يتعرض للسجن أو نحوه من العقوبات بسبب دينه، أو يُلزَم بقضائه دون مراعاة لحاجته الأصلية، فلا يبقى له ما يسد به حاجته.
وبالجملة، فالضرورة هي ما يقع المرء بسببه في الهلكة، أو أن تلحقه بسببه مشقة لا تحتمل، أو لا يتمكن المرء معها من تحقيق الحد الأدنى من حياة الفقراء.