الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم أقوالا في تفسير الجلباب، ولم يتفقوا على أمر واحد فيه. وذلك أن الجلباب في لغة العرب يطلق على الملحفة. وعلى ما يُلبس فوق الملحفة أيضا، وعلى الرداء، وعلى خمار الرأس والوجه، وعلى القناع وهو ما تغطي به المرأة صدرها وظهرها ورأسها.
قال صاحب القاموس المحيط: والجِلْبَابُ، كَسِرْدابٍ وسِنِمَّارٍ: القَميصُ، وثَوْبٌ واسِعٌ للْمَرأَةِ دونَ المِلْحَفَةِ، أو ما تُغَطِّي به ثِيابَها من فَوْقُ كالمِلْحَفَةِ، أو هو الخِمارُ .. اهــ.
وقال ابن الأثير في النهاية: والجلْبَاب: الإزَارُ والرّدَاء. وَقِيلَ المِلْحَفَة، وَقِيلَ هُوَ كالمِقْنَعَة تُغَطّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا وظَهْرَها وصدرَها، وَجَمْعُه جَلَابِيب ... اهــ.
ولم يرجح القرطبي -فيما وقفنا عليه- أنه الملاءة التي تلبس فوق الثياب، وإنما رجح أنه "الثَّوْبُ الَّذِي يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ" وهذا يصدق على الثوب الواحد إذا كان فضفاضا ساترا، كما أن الإمام النووي في شرح مسلم حكى فيه الأقوال، ولم يرجح.
فقال: قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: هُوَ ثَوْبٌ أَقْصَرُ وَأَعْرَضُ مِنَ الْخِمَارِ، وَهِيَ الْمِقْنَعَةُ تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا، وَقِيلَ هُوَ ثَوْبٌ وَاسِعٌ دُونَ الرِّدَاءِ، تُغَطِّي بِهِ صَدْرَهَا وَظَهْرَهَا. وَقِيلَ هُوَ كَالْمَلَاءَةِ وَالْمِلْحَفَةِ، وَقِيلَ هُوَ الْإِزَارُ، وَقِيلَ الْخِمَارُ .. اهــ.
وفسره ابن عاشور في التحرير والتنوير بالقناع، فقال: وَالْجَلَابِيبُ: جَمْعُ جِلْبَابٍ وَهُوَ ثَوْبٌ أَصْغَرُ مِنَ الرِّدَاءِ وَأَكْبَرُ مِنَ الْخِمَارِ وَالْقِنَاعِ، تَضَعُهُ الْمَرْأَةُ عَلَى رَأْسِهَا فَيَتَدَلَّى جَانِبَاهُ عَلَى عِذَارَيْهَا، وَيَنْسَدِلُ سائره على كتفها وَظَهْرِهَا، تَلْبَسُهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ وَالسَّفَرِ. وَهَيْئَاتُ لِبْسِ الْجَلَابِيبِ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النِّسَاءِ تُبَيِّنُهَا الْعَادَاتُ. وَالْمَقْصُودُ هُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ. اهـ.
وهذا يبين أن المقصود بالأمر الإلهي هو الستر، وليس تعيين الملاءة، أو الرداء فوق الثياب، وعدم وجود من يفتي بوجوب لبس تلك الملاءة أو الرداء فوق الثياب الساترة الفضفاضة. هذا يكفي في بيان أن لبس ذلك الثوب بعينه غير واجب، فالأُمَّةُ لا تجتمع على ترك القول بوجوب ما هو واجب، وإذا لم يقل أحدٌ من المتقدمين بوجوبه، لم يصر واجبا بقول عالم معاصر ولو كان جليل القدر.
والله تعالى أعلم.