الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا ينبغي أن يغيب عن ذهنك مكانة الوالدين، وعظيم حقهما على ولدهما، فهما سبب وجوده في الحياة؛ ولذلك أعلى الله شأنهما، وقرن حقه بحقهما، فقال سبحانه: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {لقمان:14}، وثبت في صحيح مسلم عن أبى هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف. قيل: من، يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عند الكبر -أحدهما، أو كليهما-، فلم يدخل الجنة.
فعليك أن تسعى في مرضاة أبيك؛ حتى يدخلك الله به الجنة، ولو كانت مرضاته لا تنال، إلا بأن تدفع إليه بعض مالك، فبادر إلى ذلك.
نعم، الراجح من كلام أهل العلم أنه إذا كان غير محتاج، فلا يجب عليك أن تدفع له جزءًا من مالك، ولكن إن طلب منك ما لا يجحف بمالك، ولا يضرك، فأعطه؛ لتَبَره به، وتكسب رضاه، وتتقي غضبه، وتخرج من خلاف من ذهب إلى أنه يجوز للوالد أن يأخذ من مال ولده، ولو لم يكن محتاجًا، وسبق بيان ذلك في الفتوى: 140298.
وهنالك خلاف أيضًا في حكم مطالبة الابن أباه بما له عليه من دين، والجمهور على جواز ذلك، كما هو مبين في الفتوى: 327073.
ومما ينبغي أن تنتبه له هو أن لا يكون تعاملك مع أبيك في هذا الجانب، كتعاملك مع غيره في جانب المطالبة، والإلحاح.
وننبه في الختام إلى أنه لا ينبغي للآباء التضييق على الأبناء، وإيقاعهم في الحرج؛ بكثرة المطالبة بالمال -لحاجة، أو لغير حاجة-، فإذا احتاج الأب، فليطلب، بل له أن يأخذ، ولو لم يرتض ذلك الابن، كما أسلفنا القول في ذلك، وأما إذا استغنى، فليستعف، ومن يستعفف، يعفه الله.
والله أعلم.